غير أن ريادة هؤلاء لم تنجح، لأنها حاولت أن تقفز من مرحلة التخلف الشديد إلى مرحلة تقليد الشعر الغربي وتطعيم الأدب العربي بالمفهومات الغربية، ولم يكن لخريجي المدارس التبشيرية هؤلاء صفات الريادة المؤثرة، ولم يكن في المجتمع من يتحمس لآرائهم ودعواتهم. ومن أشهر أولئك "الرواد": بطرس البستاني (١٣١٦- ١٣٨٩هـ - ١٨٩٨-١٩٦٩م) وسليم البستاني (١٢٦٥-١٣٠١هـ - ١٨٤٨-١٨٨٤م) وإبراهيم اليازجي (١٣١٦-١٣٧٢هـ - ١٨٩٨-١٩٥٣م) ورزق الله حسون (١٢٤١-١٢٩٨هـ - ١٨٢٥-١٨٨٠م) وقسطاكي حمصي (١٢٧٥-١٣٦٠ هـ - ١٨٥٨-١٩٤١م) .
ويعد رزق الله حسون أسبقهم إلى الدعوة للتحديث، فقد نادى في وقت مبكر بإهمال القافية في الشعر، لأنها في اعتقاده ليست من عناصر الشعر الأساسية، قال:"فالشعر نظم موزون، وليست القافية تشترط إلا لتحسينه، فقد كان الشعر شعرا قبل أن تُعرف القافية"[٤٤] .
وقد طبق رزق الله حسون دعوته هذه في إحدى قصائده، فنظم جزءا من "نشيد الإنشاد"في قصيدة غير مقفاة [٤٥](٤٣) ، وتبعه بولس شحادة الذي دعا صراحة إلى وجوب اقتفاء الشعراء الأوربيين في انتشار الشعر غير المقفى، وطبق دعوته أيضا في قصيدة ترجم فيها جزءا من مسرحية "يوليوس قيصر"لشكسبير [٤٦] .
ولم تلق هذه الدعوات أية استجابة لدى الأدباء، ولا لدى الجمهور، وربما يكون السبب في ذلك- إضافة إلى ما قدمته عن صعوبة الانتقال من مرحلة الجمود إلى مرحلة الشعر الأوربي مباشرة، وعدم وجود جمهور يستسيغ التقنية الأدبية الأوربية - هو ضعف القصائد التي قدمها حسون وشحادة لتكون نماذج للدعوة الجديدة، وفي الحقيقة فإن شعر هؤلاء في جملته ضعيف لا يملك قوة شعر البارودي وإشراقة ديباجته.