وفي فلسطين والأردن [٤٨] ، كانت الصورة مشابهة للصورة التي رأيناها في سورية فقد بدأت حركة الإحياء مع ظهور الشعراء: محمد إسعاف النشاشيبي (١٣٠٢-١٣٦٨هـ ١٨٨٥-١٩٤٨م) وفؤاد الخطيب (١٢٦٩-١٣٧٦هـ ١٨٧٩-١٩٥٧م) وعادل أرسلان (١٣٠٤-١٣٧٣هـ - ١٨٨٧-١٩٥٤م) . وهؤلاء جميعا تأثروا بحركة الإِحياء في مصر. ثم ظهرت امتدادات الإحياء في اتجاه جديد، قاده خير الدين الزركلي ووديع البستاني، وكان موازيا لاتجاه شوقي وحافظ ومتأثرا به إلى حد كبير. وما لبثت النزعة الرومانسية أن خالطت الاتجاه الجديد بفضل شيوع الثقافة الإنكليزية بين الشعراء. ثم غلبتها في شعر إبراهيم طوقان ومطلق عبد الحق، ليكون مسار حركة الشعر في الأردن وفلسطين موازيا تماما لمسار حركة الشعر في سورية.
وفي السودان كان الشعر فاترا في مطلع القرن التاسع عشر، تغلب عليه آثار التصنع الذي ساد في العصر العثماني، باستثناء خيط من الشعر الصوفي حافظ على شيء من الحيوية [٤٩] . فلما كانت الثورة المهدية تأثر الشعر بها، وبدت بوادر التغير في أسلوبه وموضوعاته، فقد لانت لغته، وتخلصت - إلى حد ما - من التصنع والبديع، وكثرت فيه الملامح العباسية الحماسية، فكان أسبق من شعر البارودي في الالتفات إلى الشعر العباسي والتتلمذ على شعرائه. ولكن لفتته هذه لم تطل، ولم تؤثر في الشعر العربي، وسرعان ما انتهت مع خمود الحركة المهدية، فعاد الشعر سيرته الأولى، منزويا في قصائد المديح والغزل والتصوف، وظل على حالته حتى الحرب العالمية الأولى [٥٠] .