للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبعد الحرب العالمية الأولى، ظهر الجيل الأول من المثقفين من خريجي كلية غوردون، وقد درس هؤلاء المثقفون التراث الشعري العربي كما درسوا الشعر المعاصر في مصر، وتأثروا بهما تأثرا كبيرا، ونبغ من بينهم شعراء مجيدون أمثال: عبد الرحمن شوقي، وعبد الله عبد الرحمن، ومحمد سعيد العباسي، وأحمد محمد صالح. فكانوا أعمدة الاتباعية، وكان شعرهم صورة للشعر الاتباعي في مصر، سواء في أسلوبه أو في موضوعاته، وإن كان لا يحوي براعة شعر شوقي ورشاقة شعر حافظ.

وقد تألق الشعر الاتباعي في السودان لأن الشعراء هناك لم يتأثروا بالثقافة الغربية، فكانت ديباجتهم عربية أصيلة. وكان الجمهور مفتونا بها، وقد بلغ افتتانه به - كما يقول الدكتور إبراهيم الشوشي - حدا من التقديس جعل التجديد عسيرا [٥١] .

ولكن ما لبث الخط الرومانسي أن تسرب إلى الشعر السوداني. فقد ظهر الشاعر "حمزة الملك طنبل"، الذي تأثر بالرومانتيكي الإنكليزي "ماثيو أرنولد"، وكانت ظروف الرجلين متشابهة، فأثر في الوسط الشعري بقصائده الرائعة. ثم ظهر عدد من الشعراء الذين تأثروا به وبالحركة الرومانسية العربية والغربية، أمثال: صالح عبد القادر، وعثمان حسن بدري، والشيخ حسيب علي حسيب، فملؤوا ساحة الشعر بدواوين ذات نزعة رومانسية واضحة، يظهر فيها آثار محمود علي طه وإبراهيم ناجي وأحمد زكي أبو شادي [٥٢] .

وهكذا تتبع الشعر السوداني - كما تتبع من قبله الشعر السوري- خطوات التطور التي ظهرت في مصر، وحافظ على الترتيب ذاته.

أما العراق، فأجدني متجها للوقوف عند ظروف الشعر فيه وقفة أطول من ذي قبل، لسبب يسير هو أنه البلد الذي احتضن حركة الشعر التفعيلي في بدايتها.