فقد كان الشعر في العراق متخلفا طوال القرن التاسع عشر، يقوم في جملته على تقليد الشعراء المتأخرين، أمثال: صفي الدين الحلي والشاب الظريف وابن نباته، وكان الشعراء آنئذ يحاكونهم في أغراضهم وأساليبهم وعنايتهم بالمحسنات البديعية عناية شديدة. يقول الدكتور يوسف عز الدين عن الشعر العراقي في تلك الفترة:"فمنذ سقوط بغداد إلى أوائل القرن العشرين بقي الشعر العراقي ألفاظا مجردة، بعيدة عن الموسيقى الشعرية. لا أثر للحس والعاطفة فيها"[٥٣] وما لبث أن ظهر جيل من الشعراء، عاد إلى الثقافة العربية، وتعمق دراستها ولم يتصل اتصالا مباشرا بآثار الغربيين، فظهر في شعره حركة إحياء تقف عند حدود هذا التراث ولا تتجاوزه إلا قليلا. وكان على رأس هذا الجيل جميل صدقي الزهاوي (١٢٨٠-١٣٥٥هـ - ١٨٦٣-١٩٣٦م) ، ومحمد مهدي البصير (١٣١٣-١٣٩٤هـ - ١٨٩٥-١٩٧٤م) .. وما لبث الزهاوي أن انفصل عن زملائه واندفع بدعوة جديدة هي: دعوة الشعر المرسل.
فقد نشر في جريدة المؤيد القاهرية عام ١٩٠٧م مقالة يدعو فيها إلى الشعر المرسل، وأيد دعوته بقصيدة جعل عنوانها (الشعر المرسل) يقول فيها [٥٤] :
لموت الفتى خير له من معيشته
يكون بها عبئا ثقيلا على الناس
يعيش رضى العيش عشر من الورى
وتسعة أعشار الورى مناكيد
أما في بني الأرض العريضة قادر
يخفف ويلات الحياة قليلا
أفي الحق أن البعض يشبع بطنه
وأن بطون الأكثرين تجوع
والمعروف أن الزهاوي لا يتقن لغة أجنبية غير التركية، وليس له اتصال بالشعر الغربي، فمن أين استمد مصادر دعوته؟