"إن من حق الله عندي، ورده جوارحي علي، أن أنفرد بالعبادة انفراداً أكثر من هذا، وأن يكون مقامي في الغزو، وقد عملت على الخروج إلى طرسوس، فمن كانت له حاجة تحمّلتها". فأخرج هذا ألف درهم. وقال:"أغز بهذه عني"، وأخرج هذا مائة دينار وقال:"أخرج بها غزاة من هناك". وأعطاه كل أحد شيئا، فاجتمع له ألوف دنانير، ودراهم. فلحق بالحلاج، وقاسمه عليها [٢٤٥] .
وقد أوردت هذا الخبر ليعرف القارئ مقدار ما كان الجهاد في طرسوس من أهمية كبيرة في قلوب المسلمين، باعتبارها الثغر المتقدم للإسلام في مواجهة الروم.
وقد ذكرنا كثيراً من قادة المسلمين ومشاهيرهم وخلفائهم ممن وردها، وأضيف هنا: عمرو بن مسعدة بن سعيد بن صول الكاتب- أبو الفضل- أحد وزراء المأمون. وورد إذنة وتوفي بها عام ٢١٧ هـ[٢٤٦] . والقاضي جعفر بن عبد الواحد- أبو عبد الله- وتوفي بطرسوس عام ٢٥٨ هـ[٢٤٧] . والقاضي أبو عبيد القاسم بن سلام، الذي كان فاضلاً في دينه، وعلمه، متفنناً في أصناف علوم الإسلام، من القراءات، والفقه، والعربية، والأخبار، وأشهر من فسّر غريب الحديث، ولي قضاء طرسوس ثماني عشرة سنة [٢٤٨] أثناء ولاية ثابت بن نصر بن مالك الخزاعي الذي ولي طرسوس ثماني عشرة سنة [٢٤٩] . وولي قضاءها صالح بن أحمد بن حنبل [٢٥٠] ، وموسى بن داود الضبي الخلقاني، وتوفي بها عام ٢١٦ هـ. وكان يوصف بأنه قاضي طرسوس وعالمها [٢٥١] .
من هذا العرض تظهر صلة طرسوس القوية بأمصار الإسلام، وتتبنّ مظاهر الاحترام والتقدير، الذي حظيت به طرسوس في قلوب المسلمين، من مختلف طبقاتهم، الحكام والوزراء، والأمراء، والعلماء، وقادة الجيوش، وأرباب الجهاد، والعامة. فكانت تظهر فيها عظمة الإسلام والمسلمين، فكان يقال: