ولما عرضنا أقسام القصيدة تبين لنا التزام الشاعر بالخطة العامة، والهيكل الأساسي لعمود الشعر، واللمسات التعديلية في الأقسام حجماً ومضموناً، وهو تعديل يساير التطور الاجتماعي الآخذ باللين والدعة، ويواكب أو يلبي اتجاهات الذوق الناشئ. ونبهنا إلى الفصل ما بين قسمي المقدمة، وإلى الوصل بالتخلص الحسن إلى المدح، وإلى التعادل الكمي ما بين المقدمة والمدح وإلى الغاية المتوخاة من الإطالة في القسم الغزلي منها وهي اجتذاب المسامع واكتساب الجمهور وسيرورة القصيدة.
وفي هذا كله يطالعنا عملٌ واع جاد ومواءمة مقصودة تراعي اعتبارات أو معايير قديمة وحديثة معاً.
(٢) صياغة فكرية فنية:
ولا نغالي إذا قلنا: إن هذه القصيدة مدينة إلى فكر الشاعر وعقله لا إلى وجدانه وقلبه، فلا وَجْدَ في الغزل، ولا مشاعر شاغله من إقدام أو خوف أو رجاء في وصف السير حتى أن الرجاء المعلن عنه أسند إلى الناقة لا إلى الشاعر:
ك فتروى من بحره بدلاء
٢٨ - همها أن تزور عقبة في المل ـ
أما المدح فهل صدر من إعجاب حق بالقائد المثالي أو النموذجي وهل نلمح ظلاً من ولاء مشفوع بدفقة من ودّ؟ إن أعمق بؤرة عاطفية في القصيدة لا تتجاوز الشكر أو الاعتراف بالجميل في الأبيات (٤٥ - ٤٨) يمليه عليه أدب المجاملة، وتستدعيه وقائع المدح المتقدمة عليه.
أفكان الفكر الواعي المدقق واقفاً بالمرصاد للعواطف المستجاشة؟ لو كان في حنايا الشاعر، إذ تغزل، لاعجة من لواعج الحب أو مشاركة ودية غامرة، إذ مدح، تشايع الرغبة
المادية أو توجهها، لتبدّت تلقائيا في معانيه، والشاعر بذلك راضٍ لأن التلازم، أو الاقتران، الفكري والعاطفي وجه من وجوه القوة والتأثير، والسمو الحق في الشعر في لقائهما الموفق بل اتحادهما في عملية النظم والإبداع.