للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكن علينا أن نرضى بالفكر والبناء العقلي في هذه القصيدة نصيباً، وكذلك امتاز كل قسم من أقسامها بالترتيب والتوالي المحكم ما بين الأبيات - إلا ما نبهنا إليه من اضطراب الترتيب في آخر القصيدة - فالقصة الغزلية تتسلسل مواقفها وفق الترتيب الطبيعي لمجريات الأحداث: تحية المحبوبة (١ - ٢) ، تذكار الماضي (٣ - ٧) فساد ذات البين

(٨ - ٩) ، الوساطة لإصلاح ذات البين (١٠ - ١٨) ، النهاية الحزينة الخائبة (١٩ - ٢٢) .

وعلى الإيجاز في حديث الصحراء والراحلة فالترتيب على الغاية من الأحكام، وكل بيت يضيف إضافات جزئية أساسية للمشهد العام في البيت:

ين رفاضاً يمشين مشي النساء

٢٣ - وفلاة زوراء تلقى بها العـ

ويضيف البيت (٢٤) إليه عنصراً نفسياً (خيفة متوجسة من الخلاء) وعناصر مادية من القافلة ومن شيوع الآفاق. أما البيتان (٢٥ - ٢٦) فيبرزان شخص الشاعر في هذا الجو الفسيح بين هوامّ الصحراء وحيوانها وسرا بها فيكثر فيهما توضع الجزئيات في أنحاء المشهد حتى إذا كان البيت (٢٧) نشأت الناقة تحمل الشاعر في ذاك المنطلق الفسيح قريبة من العَيْن ترسم سريرها الناشط بتتابع حركات اليدين والرجلين.

وعلى أن الشاعر لم يبل الصحراء رؤية ومنظراً، وإن عاش فيها يفاعته، فقد ظفرت أبياته بالترتيب المحكم نتيجة جهد عقلي خالص ينتقل من العام إلى الخاص، ومن البسيط إلى المركب، ويوالي ما بين العناصر أو الجزئيات على قاعدة التجانس، ولنقرأ البيت:

كب فضاء موصولة بفضاء

٢٥ - من بلاد الخافي تغول بالر

لنعلم أن العناصر الثلاثة في البيت يحقق ما بينها التجانس ما يشبه ولادة بعضها من بعض في تسلسل منظم كتوالي جزئيات الزمن.