للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والقول بفشو كتاب معاوية إلى عليّ بين الناس إنه يعرض عليه تلك المقايضة يهدم الركن الأساسي الذي كان يستند إليه في معارضة عليّ واحتجاجه عليه والتف به الناس من حوله، والتضحية بهذا السند وهذه الحجة لابد أن يقابلها ضمان، وحيث لا ضمان فهل يتصور أن يفعل معاوية ذلك!

وأما الشعر المذكور في الرواية فلا يشير إلى المقايضة، وإنما يؤكد أن مركز معاوية بالشام قويّ ومنيع يحضه على نصب الحرب لعليّ والاستعداد لها ويحذره أن يلين له أو يضعف أمامه.

وذكر صاحب البدء والتاريخ [١٧] ، أن عليّ بن أبي طالب بعث جرير بن عبد الله البجلي رسولا إلى معاوية يدعوه إلى البيعة فكتب إليه معاوية، إن جعلت لي الشام ومصر طعمة أيام حياتك، وإن حضرتك الوفاة لم تجعل لأحد بعدك في عنقي بيعة بايعتك، فقال عليّ لم يكن الله يراني اتخذ المضلين عضدا.

وهي مثل سابقاتها من الروايات في اتهام معاوية بمخالفة عليّ حبّاً في السلطة، ولكنها تؤكد سوء رأي عليّ فيه، ولو صحت هذه الرواية لكان معاوية يعرف رأي عليّ فيه، ولعلم وهو يقايضه إنما يدخل معه صفقة خاسرة لا يعقل أن يقدم معاوية على إبرامها معه.

ولكن لم يرد منذ أن استخلف عليّ أن معاوية بايعه، وقيل أن أبا مسلم الخولاني جاء وأناس إلى معاوية فقالوا له: أنت تنازع علياً في الخلافة، أوَ أنت مثله؟ فقال: لا والله، إني لأعلم أنه أفضل مني وأحق بالأمر مني، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوماً وأنا ابن عمه والطالب بدمه، فأتُوه، فقولوا له فليدفع إليّ قتلة عثمان واسِّلمُ له، فأتوا علياً فكلموه فلم يدفعهم إليه، وقال: يدخل في البيعة ويحاكمهم إليّ فامتنع معاوية [١٨] .