وعلى أية حال، فإن معاوية لم يبايع عليّا، وأظهرَ الطلب بدم عثمان وأخْذ القَوِدَ من قتلته محتجاً بقوله تعالى:{وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً} الإسراء (٣٣) .
وأما أهل الشام، فكانوا مقتنعين بوجوب أخذ القود من قتلة عثمان، وأن علي بن أبي طالب لم يقتص من أحد منهم، وهو ما يفسر بعض أسباب وقوفهم إلى جانب معاوية.
وإضافة إلى حادثة مقتل عثمان التي أخذت من معاوية كل مأخذ، كان خروج طلحة وصحبه للطلب بدم عثمان وإصلاح الأمر، ووقوف أهل الشام إلى جانب معاوية قد زاد معاوية قوة وشجعه على معارضة عليّ بن أبي طالب، وربما يكون ما رواه هو عن الرسول صلى الله عليه وسلم قد طرق تفكيره وحدّث به نفسه في هذا الوقت أكثر من ذي قبل، قال معاوية: مازلت أطمع في الخلافة منذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال: "يا معاوية إن ملكت فأحسن"[٢٣] .
وإزاء هذا الحال الذي وقف فيه كل جانب يتمسك برأيه واجتهاده، وعجزت السفارات بينهما أن تفعل شيئا لرفع الخلاف، صار الاحتكام إلى السيف لابد منه لإعادة وحدة الأمة الممثلة بوحدة الخلافة.
فسار عليّ بن أبي طالب بأهل العراق يريد الشام، وخرج معاوية بن أبي سفيان بأهل الشام للقائه، واجتمع الطرفان في صفين، وجرت محاولات الإصلاح ثانية بينهما، وطالت الأيام، ولكن مساعي الصلح فشلت مرة أخرى، وقيل إن عبد الله بن عمرو قال من الشعر في هذه المناسبة: