ودار القتال بين الجانبين في الأول من صفر لعام ٣٧ هـ، ومرت الأيام والقتال يشتد فيها ضراوة، وذكر ابن كثير قال:"كان أهل صفين عرباً يعرف بعضهم بعضا في الجاهلية فالتقوا في الإسلام معهم على الحمية وسنة الإسلام فتصابروا واستحيوا من الفرار"[٢٥] وقاتلوا حتى كرهوا القتال وكرهوا الحرب ورأوا أن الحرب تأكلهم، وأنهم إنما يقطعون أيديهم بأيديهم، ويجدّون أجنحتهم بأسيافهم، فلما رفعت المصاحف من جانب أصحاب معاوية، ونودي هذا كتاب الله عز وجل بيننا وبينكم، من لثغور أهل الشام بعد أهل الشام، ومن لثغور العراق بعد أهل العراق، قال أصحاب عليّ ننيب إلى كتاب الله، ومالوا إلى الموادعة والكف وتداعوا إلى الصلح والأئتمار بما في القرآن وتحكيمه [٢٦] ، وقيل إن الأشعث بن قيس كان من أكثر أصحاب علي بن أبي طالب تحمسا لوقف القتال وقبول التحكيم، وقيل إنه قال من الشعر [٢٧] .
عليها كتاب الله خير قرآن
فأصبح أهل الشام قد رفعوا القنا
أما تتقي الله أن يهلك الثقلان
ونادوا عليا يا ابن عم محمد
وجاء عن معاوية أنه كتب إلى عليّ بن أبي طالب يقول له: إن أول من يحاسب على هذا القتال أنا وأنت، وأنا أدعوك إلى حقن هذه الدماء وألفة الدين، وإطراح الضغائن، وأن يحكم بيني وبينك حكمان [٢٨] .
وقد نسب رفع المصاحف من جانب معاوية إلى عمرو بن العاص، وقيل إنها فكرة ابتدعها لينقذ معاوية من الهلاك بعدما رأى أمر علي يعلو ويشتد [٢٩] .
ولكن رفع المصاحف كان قد جرى من قبل، ففي معركة الجمل قيل إن عليّ بن أبي طالب قال لفتى من أصحابه تطوع أن يعرض المصحف على الناس قال له: اعرض عليهم هذا، وقل هو بيننا وبينكم من أوله إلى آخره والله في دمائنا ودمائكم [٣٠] .