"أما بعد، فإن أكيس الكيس التقى، وإن أحمق الحمق الفجور، وإن هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية، إما كان حقا لي تركته لمعاوية إرادة صلاح هذه الأمة وحقن دمائهم، أو يكون حقا كان لأمرئ أحق به مني ففعلت ذلك، {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} "[١٤٨] الأنبياء (آية ١١١) .
وقيل لما برأ الحسن من جراحته خرج إلى مسجد الكوفة فقال:"يا أهل الكوفة، اتقوا الله في جيرانكم وضيفانكم وفي أهل بيت نبيكم صلى الله عليه وسلم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فجعل الناس يبكون ثم تحمّل وأهل بيته إلى المدينة"[١٤٩] .
وبذلك طويت صفحة من الخلاف والفرقة، واجتمعت الكلمة، وصار معاوية خليفة مجمعا عليه، قيل عام أربعين للهجرة [١٥٠] ، ولكن ابن إسحاق [١٥١] والواقدي [١٥٢] وخليفة ابن خياط [١٥٣] يجعلون ذلك عام واحد وأربعين للهجرة ويختلفون في الشهر الذي وقع فيه الصلح من ذلك العام، أهو ربيع الأول، أو ربيع الآخر، أو جمادى الأولى، أو جمادى الآخرة، فقال المسعودي: ثم صالح الحسن معاوية نحو شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين، وقد رأى قوم إن ذلك كان في جمادى الآخرة أو الأولى من هذه السنة، والأول أشهر وأصح عندنا من مدة أيامه [١٥٤] .
ومضى معاوية يقود مسيرة الأمة من غير أن يجعل للفتنة وأحداثها سبيلا على أحد يعيق حركة البناء والجهاد.