للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد يسأل سائل عما فعل معاوية بقتلة عثمان بعد صيرورة الخلافة إليه، ويجيب ابن قتيبة في (عيون الأخبار) قائلاً: إن معاوية بن أبي سفيان لما قدم المدينة بعد عام الجماعة، دخل دار عثمان بن عفان، فصاحت عائشة بنت عثمان بن عفان وبكت ونادت أباها، فقال معاوية: يا ابنة أخي، إن الناس أعطونا طاعة وأعطيناهم أماناًَ، وأظهرنا لهم حلماً تحته غضب، وأظهروا لنا ذلاً تحته حقد، ومع كل إنسان سيفه ويرى موضع أصحابه، فإن نكثناهم نكثوا بنا ولا ندري أعلينا تكون أم لنا، لأن تكوني ابنة عم أمير المؤمنين خير من أن تكوني امرأة من عرض الناس [١٥٥] .

والذي يُعتدُّ به من كلام ابن قتيبة ما جاء عن العهود والمواثيق التي أبرمت بين معاوية والحسن وقضيت بالصلح بين الناس، ووضع الحرب، وحقن الدماء، وعدم تهييج النفوس، وإضافة إلى ذلك فإن السنوات الخمس التي احتضنت المعارك في الجمل وصفين والنهروان والنخيلة ومصر وغيرها ذهبت بأولئك الذين ترددت أسماؤهم بتهمة قتل عثمان، ومع ذلك فإن مسألة قتل عثمان ظلت حاضرة في الخلفاء من بني أمية ونوابهم في الأغلب، وكانوا على التعريض بخصوم عثمان والشنآن للخارجين، فعلى سبيل المثال، قيل إن بسر بن أبي أرطاة أقام عام ٤٣ هـ شهراً بالمدينة يستعرض الناس، ليس أحد ممن يقال هذا أعان على عثمان إلا قتله [١٥٦] ، ومعْ أن هذا الخبر لا يعتدُّ به، فإنه يشير إلى أن انتصار بني أمية لعثمان بن عفان كان حقيقة لا شبهة بها.

هذا وقد قيل في وصول معاوية إلى الخلافة أقاويل، وجرت في تعليل ذلك أحاديث:

قيل كان علي بن أبي طالب يَعدُّ الخلافة منصبا دينيا، وكان دقيقا في محاسبة العمال ومتصلبا في رأيه ولا يحيد عما يقتضيه ضميره كما كان يفعل أبو بكر وعمر، أما معاوية فكان يلين لمن في جانبه ويتساهل في محاسبة العمال مع أن رجاله كانت قد ذهبت منهم حرمة الدين وذاقوا لذة الثروة وتعودوا على السيادة.