قيل كان أبو سعيد الحسن البصري ينكر الحكومة، وكان إذا جلس فتمكن في مجلسه ذكر عثمان فترحم عليه ثلاثا ولعن قتلته ثم يذكر عليا فيقول:"لم يزل أمير المؤمنين علي رحمه الله يتعرفه النصر ويساعده الظفر حتى حكم، فلم تحكّم والحق معك"[١٧٨] .
ولمعرفة ما جرى يحسن إِيراد بعض الشواهد التي وقعت قبل صفين وعززت قبول التحكيم والموادعة والصلح.
نهض الحارث بن حوط الليثي بعد الجمل إلى علي بن أبي طالب وهو على المنبر فقال: أتظن أنا نظن أن طلحة والزبير كانا على ضلال، فقال علي: يا حار، إنه ملبوس عليك، إن الحق لا يعرف بالرجال، فاعرف الحق تعرف أهله [١٧٩] .
وقال رجل من فزارة يسمى أربد لعلي: أتريد أن تسير بنا إلى إخواننا من أهل الشام فنقتلهم كما سرت بنا إلى إخواننا من أهل البصرة فقتلناهم؟ كلا، ها الله إذاً لا نفعل ذلك، وهرب الفزاري، ولكن الناس وطئوه بأرجلهم حتى مات [١٨٠] .
واستخلف علي بن أبي طالب على الكوفة أبا مسعود عقبة بن عامر البدري الأنصاري في أثناء خروجه إلى صفين [١٨١] ، وكان رجال من أهل الكوفة استخْفُوا، وكان ناس يأتون أبا مسعود فيقولون: قد والله أهلك الله أعداءه وأظفر المؤمنين، فيقول أبو مسعود:"إني والله ما أعده ظفرا ولا عافية أن تظهر إحدى الطائفتين، ولكن نعدها عافية أن يصلح الله أمة محمد ويجمع ألفتها"[١٨٢] ، وقال الأشتر النخعي لقومه النخع، "وإنكم تسيرون غدا إلى أهل الشام قوم ليس لكم عليهم بيعة، فلينظر امرؤ منكم أين يضع سيفه"[١٨٣] .
وقيل كان الناس في العراق منهم المسرور لما كان بين علي ومعاوية وهم أغشاء الناس، ومنهم المكبوت الآسف وهم نصحاء الناس لعلي، هذا إضافة إلى ما كان من أصوات أخرى انطلقت تندد بالقتل [١٨٤] ، وما روي عن علي بن أبي طالب أنه تحسر لما رأى قتلى الجمل وتمنى لو أنه مات قبل ذلك [١٨٥] .