للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهي شواهد تشير إلى أن القتال بين المسلمين (قتال أهل القبلة وأهل الصلاة) دون القتال في سبيل الله ومجاهدة الأعداء كان قد أخذ يتعرض للنقد قبل معركة صفين، ثم أصبح التخلي عنه واللجوء إلى حل بديل عنه وهو التحكيم والصلح مطلبا في صفين.

ولابد من القول بأن القتال يوم الجمل ويوم صفين لم يكن بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم وإنما كان رأيا رآه علي [١٨٦] ، ولم يوافقه عليه كثير من الصحابة، ولما وجد علي أن عظم من كان معه قد مالوا إلى الصلح في صفين، وأن من آثر منهم مواصلة القتال لا يتحقق بهم المصلحة أجاب إلى الحكومة ورضي التحكيم.

وسواء كان الذين مالوا إلى الصلح وحقن الدماء بعد أن كانوا مشوا من قبل درب القتال مالوا مشفقين على أنفسهم من القتل أو مالوا مشفقين من القتل على المسلمين، فإننا مع الجميع في ظلال آراء ومفاهيم ومواقف إسلامية، ولا يقلل من ذلك أن معاوية وصحبه هم الذين رفعوا شعار التحكيم، فلولا أن حقن دماء المسلمين كان يلاقى هوى في النفوس ما استجابوا له، ولولا أن كتاب الله وتحكيمه في العلاقات بين الناس له سلطانه عليهم ما رفعوه.

وسار التحكيم بما لا يرتضيه علي بن أبي طالب، وكان علي أراد أن يجعل عبد الله ابن عباس عنه حكما، ولكن أهل العراق اختاروا أبا موسى الأشعري، وقيل إن الذي أشار بأبي موسى الأشعري هو الأشعث بن قيس الكندي، ورفض عبد الله بن عباس وقال: لا والله، لا يحكم فينا مضريان [١٨٧] .

وهذا إن صح، له مدلول قبلي، ولكن قبلية هذا الكلام لا تصيب أبا موسى الأشعري، لا في موقفه من الأحداث ولا في حكمه في القضية، فأبو موسى صحابي وموقفه من الأحداث معروف، وفضلا عن ذلك، ذكر الهيثم بن عدي، أن أول من أشار بأبي موسى هو الأشعث بن قيس الكندي، وتابعه أهل اليمن لأن أبا موسى كان ينهى الناس عن الفتنة والقتال، ولم يدخل فيما دخل فيه الناس، واعتزل في بعض أرض الحجاز [١٨٨] .