وذكر أبو حنيفة الدينوري أن الأشعث وقراء العراق رضوا بأبي موسى لأنه رجل هو من علي ومن معاوية سواء ليس إلى أحد منهما بأدنى منه إلى الآخر [١٨٩] .
وقال ابن أعثم إنهم قالوا: فإننا قد رضينا بأبي موسى الأشعري، فإنه وافد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وصاحب مقاسم أبي بكر وعامل عمر بن الخطاب [١٩٠] .
وقيل إن علي بن أبي طالب بعدما لم يوافقوه في عبد الله بن عباس وأشاروا عليه بأبي موسى أراد أن يبعث الأشتر النخعي عنه حكما، فلم يوافقوه وقالوا: وهل سعّر الحرب وسعّر الأرض إلا الأشتر [١٩١] .
والأشتر النخعي مثل أبي موسى يماني، وهذا دليل علِى أن يمانية أبي موسى الأشعري ليست هي المقصودة، ويبدو أن اختيار أبي موسى كان اختياراً لاتجاهه واستمراراً لمطلب وقف القتال بين المسلمين، وحل الخلاف عن طريق الصلح.
وفي مؤتمر التحكيم طرح الحكمان وجهات نظر إسلامية، انطلقت من الحرص على جمع الكلمة ووحدة الأمة، فناقشا مسألة الخلافة، واتفقا على النظر فيمن يكون محل إجماع الأمة واتفاقها، ولكنهما اختلفا حول تسمية من يقدمانه للإمامة ويختارانه للخلافة، وبنى أهل الشام على ذلك جواز استخلاف معاوية وتعلّل بعضِ أهل العراق على علي بسبب التحكيم العلل وخرجوا عليه، مما أضعف جانب علي كثيراً، ولكن ذلك لم يحسم المسألة لصالح معاوية وظل عليا خليفة حتى قتل عام ٤٠ هـ.
وحتى هذا الحد لا نزال أمام نتائج كانت جميعها إفرازات آراء ومفاهيم ومواقف إسلامية متباينة، ومحصلة اجتهادات متفاوتة.
والى جانب عامل القتال بين المسلمين وتطوراته كان عامل الطلب بدم عثمان بعداً آخر من أبعاد فهم وصول معاوية إلى الخلافة.