وهي جميعاً مواقف صادرة عن اجتهادات متأولة، وقد اختلفت هذه الاجتهادات فاختلفت المواقف، وأصاب البعض وهو علي بن أبي طالب وأخطأ غيره [١٩٥] ، وكان الأولى، وقد بويع علي بن أبي طالب بالخلافة أن يتابع القوم ويبايعوه تجنباً للفرقة، وسفك الدماء، وكان يمكن في اجتماع الكلمة ووحدة الأمة أن يكون خير كثير، ولكن طلحة وصحبه وقفوا مع شورى عمر بن الخطاب والطلب بدم عثمان وهي قيم إسلامية محضة، ووقف معاوية بن أبي سفيان يطلب بدم عثمان، واستفظع أن يقتل عثمان وأن يعلو اتجاه الذين ثاروا عليه وأن ينجو الذين قتلوه، ولم ير علي بن أبي طالب يزيد في قوله بصددهم عن محاكمتهم إليه ليحملهم وإياهم على ما في كتاب الله وسنة نبيه، وأنهضت الظروف وتطوراتها في نفسه الإمارة، ووجد في قول الرسول صلى الله عليه وسلم ما يطمئن إليه، فتحرك من غير تردد ولا إصغاء إلى أحَد.
ذكر ابن عساكر [١٩٦] ، أن معاوية كان كتب إلى عبد الله بن عباس كتاباً فأجابه ابن عباس: من عبد الله بن عباس إلى معاوية بن أبي سفيان، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، عصمنا الله وإياك بالتقوى، أما بعد ...
فقد جاءني كتابك، فلم أسمع منه إلا خيراً، وذكرت شأن المودة بيننا، وإنك لعمر والله، لمودود في صدري، من أهل المودة الخالصة والخاصة، وإني للخلة التي بيننا لراع ولصالحها حافظ ولا قوة إلا بالله.