للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما بعد. حفظ الله، فإنك من ذوي النهي من قريش وأهل الحلم والخلق الجميل منها، فليَصْدُر رأيك بما فيه النظر لنفسك والتقية على دينك والشفقة على الإسلام وأهله، فإنه خيرٌ لك وأوفر لحظك في دنياك وآخرتك، وقد سمعتك تذكر شأن عثمان بن عفان، فاعلم أن انبعاثك في الطلب بدمه فرقةٌ وسفك للدماء وانتهاك للمحارم، وهذا، لعمر الله، ضرر علي الإِسلام وأهله، وأن الله سيكفيك أمر سافكي دم عثمان، فتأنَّ في أمرك، واتق الله ربِّك، فقد يقال، إنك تكيد الإمارة (تحتال لها) ، وتقول، إن معك وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقول نبي الله الحق، فتأنَّ في أمِرك، ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للعباس: إن الله يستعمل من ولدك اثنى عشر رجلاً، منهم السفاح والمنصور والمهدي والأمين والمؤتمن وأمير العصب، أفتراني استعجل الوقت أو انتظر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله الحق، وما يُرد الله من أمر يكن ولوكره العالم ذلك، وأيم الله لو أشاء لوجدت متقدما وأعواناً وأنصاراً ولكني أكره لنفسي ما أنهاك عنه، فراقب الله ربك واخلف محمداً في أمته خلافة صالحة، فأما شأن ابن عمك علي بن أبي طالب، فقد استقامت له عشيرتك وله سابقته وحقه ونحن له على الحق أعوان ونصحاء لك وله ولجماعة المسلمين والسلام عليك ورحمة الله.

وجرى ما جرى وأفضت الحال إلى صفين والتحكيم والنهروان والنخيلة، وتضعضع جانب علي بن أبي طالب، ولعلّ ابن عباس من خلال استقراء ما حدث قال قولته التي رويت عنه، قال ابن عباس: والله ليتأمرن عليكم معاوية، وذلك أن الله تبارك وتعالى يقول {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً} [١٩٧] .