تضمنت هذه الآية جانبا من الصورة التي رسمتها الآية قبلها، فهي تقول لهم: أيها المتنازعون في الغنائم اذكروا اليوم الذي وعدكم الله على لسان نبيه اغتنام إحدى الطائفتين: عير قريش التجارية، أو قريش بسلاحها وكراعها، وأكد لكم ذلك بحيث لم يبقى للشك مجال في صدق هذا الوعد وأحقيته. غير أنه لم يعين لكم الطائفة الموعودة بها لحكمة الدفع بكم إلى مواصلة الطلب، والسير حتى ساحة المعركة. وأنتم في هذه الأثناء، وقبل أن يتبين لكم أن العير نجت حيث أخذ بها أبو سفيان قائدها سيف البحر ونجا بها، وإن الطائفة الموعود بها أصبحت قريشا ذات القوة والسلاح، ولم يبقى شك في قتال قريش والاصطدام بها، كنتم في هذه الأثناء تحبون متمنين أن غير ذات الشوكة تكون لكم، لأنها في نظركم من الغنائم الباردة التي لا تكلف دما ولا جهدا كبيرا.
ولكن الله أراد غير ذلك أراد النفير أراد قريشا الباغية العاتية ليكسر شوكتها، ويحطم كبرياءها فيحق بذلك الحق وينصره ويقطع دابر الكافرين ويهزمهم. وشتان بين ما أراد الله، وبين ما أردتم، فهلا تتعظون بهذه الصورة أيها القوم، وقد انتزعت من ماضيكم القريب، فتتقوا الله وتصلحوا ذات بينكم.. وقد فعلتم وهذا من فضل الله عليكم حيث أدبكم فأحسن، ورباكم فأجمل وأكمل، فله الحمد وله المنة.
في معنى هذه الآية التعليل لإرادة الله تعالى بأن تكون إحدى الطائفتين هي ذات الشوكة التي لم يردها المؤمنون، ولم يحبوها ويتمنوها كما تمنوا غيرها وأحبوها، وأراد الله النفير (قريشا) لا العير، لأن في انهزام قريش وانتصار المؤمنين من الخير ما لا يوجد ولا معشاره في الاستيلاء على تجارة قريش والتمتع بها أياما ثم تنقضي، كما ودَّ المؤمنون الغافلون.