وبالرجوع إلى القراءات الصحيحة المروية في هذه الكلمات يمكن أن يتاح لنا فهم سر رسمها على ذلك النحو، فالآية الأولى {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ}[طه ٣٠/ ٦٣] قرأها ابن كثير – وحده - بتخفيف (إن) و (هذان) بالألف مع تشديد النوَن، وقرأ حفص كذلك إلا أنه خفف نون (هذان) ، ووافقه ابن محيصن، وقرأ الباقون ماعدا أبا عمرو بتشديد (إن) و (هذان) بالألف وتخفيف النون، وقرأ أبوعمرو (إنّ) بتشديد النون و (هذين) بالياء مع تخفيف النون، ونجد أن أوضح القراءات في هذه الاَية معنى ولفظاً وخطاً هي قراعة ابن كثير وحفص، وذلك أن (إن) المخففة من الثقيلة أهملت و (هذان) مبتدأ و (الساحران) الخبر، واللام للفرق بين النافية والمخففة، وقراءة أبي عمرو واضحة من حيث الإعراب والمعنى، رغم مخالفتها الرسم، وقد تكلم أهل العربية في توجيه القراءة الأخرى. وقد أشرنا من قبل أن رسم المصحف كتب على قراءة واحدة، فليس من الضروري موافقة كافة القراءات الصحيحة له إذا وافق بعضها، وهو ما نجده في هذه الحالة.
أما الآيتان الأخريان {والمُقِيمِينَ الصَّلوةَ وَالمؤْتُونَ الزَّكَاةَ}[النساء٤/ ١٦٢]{إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادوا والصبئُونَ}[المائدة هـ/٦٩] فقد اتفق الجمهور على قراءة {والمُقِيمِينَ} بالياء منصوباً على نحو مَا هو مرسوم إلا رواية يونس وهارون عن أبي عمرو لها بالواو، وقراءة عاصم الجحدري لها بالواو كذلك، مع محافظته على رسمها بالياء. واتفقوا كذلك على قراءة {الصبِئُونَ} بالواو على نحو ما هو مرسوم إلا ابن محيصن فقد قرأها بالياء، والجحدري كذلك ومادامت قراءة العامة قد جاءت موافقة للرسم على هذا النحو وقد تواترت عن القراء فلا مجال – إذن - للكلام هنا عن الخطأ في الرسم أو القراءة، خاصة أن النحاة قد تكلموا على ما في الآيتين من تخالف إعرابي، ووجهوا ذلك بوجوه كثيرة ...