وعلى ذلك فإن حديث عروة يمكن أن يحمل على ما ذهب إليه ابن أشتة ورواه الداني من أن معنى الخطأ هو أنهم أخطأوا في اختيار الأولى من الأحرف السبعة بجمع الناس عليه، لا أن الذي كتبوا من ذلك لا يجوز لأن ما لا يجوز مردود بإجماع، وإن طالت مدة وقوعه، وعظم قدر موقعه، ويقول الداني بعد أن ناقش ما ورد في دلالة الخبر: على أن أم المؤمنين - رضي الله عنها - مع عظيم محلها وجليل قدرها واتساع علمها ومعرفتها بلغة قومها لحّنت الصحابة وخطأت الكتبة، وموضعهم من الفصاحة والعلم باللغة موضعهم الذي لا يجهل ولا ينكر، هذا ما لا يسوغ ولا يجوز.
ونخلص من ذلك كله إلى نفي دلالة الخبرين على وقوع الخطأ في الرسم العثماني اهـ.
وقد استقر الأمر على الرسم العثماني، واعتمدت الأمة عليه بل أجمعت على ذلك فقد نقل الإمام أبو عمرو الداني عن أشهب أنه قال: سئل مالك: هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء؟ فقال: لا، إلا على الكتبة الأولى. ثم علق الداني بقوله: ولا مخالف له من علماء الأمة.
وقال في موضع آخر: سئل مالك عن الحروف في القرآن الواو والألف، أترى أن يغير من المصحف إذا وجد فيه كذلك؟ قال: لا.
قال أبو عمرو: يعني الواو والألف المزيدتين في الرسم المعدومتين في اللفظ، نحو (الواو في){أولُواُ} . وقال الإمام أحمد:"يحرم مخالفة مصحف الإمام في واو أو ياء أو ألف أو غير ذلك".
وقال البيهقي في شعب الإيمان:"من كتب مصحفاً فينبغي أن يحافظ على الهجاء التي كتبوا بها تلك المصاحف، ولا يخالفهم فيها، ولا يغير مما كتبوه شيئا، فإنهم كانوا أكثر علماً، وأصدق قلباً ولساناً، وأعظم أمانة منا، فلا ينبغي أن يظن بأنفسنا استدراكاً عليهم ولاتسقطاً لهم".