فإن معناها: التذكير بنعمتين أخريين هما: تغشيه تعالى لهم بنعاس كان أماناً لهم من المخاوف التي ما برحت تساورهم، ومن القلق الذي هيج أعصابهم، وأطار النوم عن أعينهم بحيث لو باتوا على تلك الحال من الهيجان والقلق والخوف لما أمكنهم غداً قتال عدوهم، ولما استطاعوا الوقوف أمامه، ولكن تداركهم الله برحمته فأغشاهم بذلك النعاس الذي ذهب به كل تعب جسماني وروحاني فأصبحوا وهم أقدر على خوض المعركة والاستبسال فيها والصبر على خوضها حتى تم لهم النصر بإذن الله.
والثانية: إنزال الله تعالى عليهم ماء من السماء والذي كان له أعظم الأثر وأطيبه في إصلاح حالهم، وإعدادهم لخوض المعركة والانتصار فيها، وذلك أن هذا الماء المنزل عليهم اشتمل على أربع فوائد عظيمة إليكها أخي القارئ واحدة بعد أخرى:
١- تطهيرهم به تطهيراً حسيا بالنظافة التي انشرحت بها الصدور، ونشطت بها الأعضاء، وتطهيراً شرعيا بإزالة الأحداث الكبرى والصغرى.
٢- إذهاب رجز الشيطان عنهم، وهو ما كان يلقيه في نفوسهم بالوسوسة كان يقول لهم: أتزعمون أنكم على الحق، وفيكم نبي الله، وقد غلبكم عدوكم على الماء فها أنتم ظامئون عطاشاً تصلون بغير طهارة، فكيف تنتصرون غداً إلى غير ذلك مما كان يؤلم به نفوسهم ويعذبهم به.
٣- الربط على القلوب وهو تثبيتها وتوطينها على الصبر بما حصل لهم من ارتياح كبير بحصولهم على الماء واستيلائهم عليه دون عدوهم.. إذ أنهم قاموا من آخر الليل وصنعوا الحياض للماء، ثم غوروا ما عدا حياضهم ونزلوا عليها وبنوا لنبيهم عريشاً فوقها ليدير المعركة غداً من هذا المركز الذي أرشد إليه الحباب ابن المنذر رضي الله عنه.