ويبدو أنَّ فكرة ضبط القرآن ضبطاً إعرابياً قد راودت الخلفاء الرَّاشدين منذ عهد الخليفة عثمان بن عفان، بعد أن جمع المصحف، ولا نستبعد أن تكون أصولها في زمن الخليفة عمر بن الخطاب الّذي كان حريصا على لغة العرب، ولاشكَّ في أنَّ حرصه على النَّص القرآني أكبر، ولكن حداثة الإِسلام، وانشغال الأئمَّة بالفتوحات في زمنه، وانشغالهم بجمع القرآن في زمن عثمان أدَّى إلى تأخير هذا الصنيع الَّذي قام به أبو الأسود فيما بعد، حين تهيَّأت له الأسباب.
ثالثاً: ابن عبّاس (ت ٦٨ هـ)
كان ابن عبّاس - رضي الله عنهما - يسمّى البحر، لسعة علمه، وكان أعلم النّاس في زمانه بعلم العربية والشعر وتفاسير القرآن.
وحسبك في علم ابن عباس في مجال العربية قول ابن جني:"ينبغي أن يحسن الظن بابن عباس، فيقال: إنه أعلم بلغة القوم من كثير من علمائهم " أي: علمائهم الذين تخصصوا في علم العربية بعد أن نضجت.
ونستطيع القول: إن لابن عباس الحظ الوافر في تأسيس علوم العربية لغة ونحوا: ودفع عجلتها بقوة، لما أثر عنه من نشاط مشهور في هذا الشأن.
وصلة ابن عباس برجالات الُّلغة والمعنيين بأمرها ثابتة، ومن هؤلاء عمر ابن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأبو الأسود الدؤلي.
وصلة ابن عباس بأبي الأسود بخاصة، وعلمه بالعربية تجعلاننا نقبل بعض الروايات المأثورة عن تعاون الرجلين في مجال اللغة؛ فقد روي فيما يتصل بالنحو أن ابن عباس كان يعرف شيئاً منه، وكان يأمر أبا الأسود بالمضيّ في إظهاره.
قال القفطي:"أتى أبو الأسود عبد الله بن عباس، فقال: إني أرى ألسنة العرب قد فسدت، فأردت أن أضع شيئاً لهم يقومون به ألسنتهم قال: لعلك تريد النحو، أما إنه حق، واستعن بسورة يوسف".