ولا ندري مراد ابن عباس بحضّه أبا الأسود على الاستعانة بسورة يوسف، ولعله أراد أن يتخذ أبو الأسود من بعض آياتها الكريمة رائداً له، مثل:{وَلِنُعلِّمهُ مِن تَأوِيل الأحَاديث}(١) أو {وَلا نُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ}(٢) أو {وَعَليْهِ فَلْيَتَوَكَّل المُتَوَكِّلُون}(٣) أو {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}(٤) أو أنه أراد أنّ في هذه السورة وحدها ما يكفيه لوضع الأسس للنحو.
ولابن عباس معرفة مؤكدة بالنحو، فقد كان ينبه الناس على اللحن، فمن ذلك أنه لقي ابن أخي عبيد بن عمير فقال: إنّ ابن عمّك لعربي، فماله يلحن في قوله:{إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصدُّوْن} إنما هي يَصِدون "
وهذا خلل في حركة عين الفعل المضارع، وهو خلل صرفي، وقد عدّه لحنا، ولاشك في أن الخلل النحوي في حركات الإعراب عنده أوضح وأكبر.
وروى ابن جرير الطبري أن ابن عباس قرأ الآية:{يَأيُّها الَّذينءَامَنُوا إِذَا قُمْتُم إِلَى الصَّلوةِ فَاغسِلُوا وُجوهَكُم وأيدِيَكُم إِلَى الَمرَافِقِ وامْسَحوا بِرُءُوسِكُم وَأرْجُلَكُم} بنصب أرجلكم، فقال: "عاد الأمر إلى الغسل ".
وفي هذا دلالة قوية على معرفة ابن عباس بالإعراب؛ لأنه ربط بين معنى الآية وحركات الإعراب، إذ عطف (أرجلكم) على (وجوهَكم) وهي في موضع نصب، ولم يعطفها على (برؤسكم) رغم قربها؛ لأنها مجرورة بالحرف.
ومهما يكن من أمر، فقد برع ابن عباس في اللغة، وتفسير الغريب في المفردات، وشرح بعض الأساليب العربية في التراكيب، وشق الطريق أمام اللغويين في مقام الاستفادة من الشعر في بناء مناهج العربية فيما عرف عنه في إجاباته عن سؤالات نافع بن الأزرق، وملحوظاته في التفسير، فكان ذلك نواة علم الدلالة والصنعة المعجمية عند العرب.
رابعاً: نصر بن عاصم الليثيّ (ت ٨٩ هـ)
كان نصر بن عاصم فقيها فصيحاً عالماً بالعربية، من تلامذة أبي الأسود.