ورواه ابن النديم من طريق آخر، قال:"قرأت بخط عبد الله بن مقلة عن ثعلب أنه قال: روى ابن لهيعة عن أبي النضر قال: كان عبد الرحمن بن هرمز من أول من وضع العربية، وكان أعلم الناس بأنساب قريش وأخبارها".
وقال القفطي في أثناء ترجمته لابن هرمز:"قال أهل العلم: إنه أول من وضع علم العربية".
والحقّ أن ابن هرمز مسبوق في هذا الشأن كنصر بن عاصم، ولهذا قال أبو البركات الأنباري:"فأما زعم من زعم أن أول من وضع النحو عبد الرحمن ابن هرمز الأعرج ونصر بن عاصم فليس بصحيح؛لأن عبد الرحمن أخذ عن أبي الأسود، وكذلك – أيضاً - نصر بن عاصم".
وسيأتي الحديث موسعاً عن ابن هرمز في الفصل الثالث.
ويتبين لنا في ختام هذا الفصل أن أولية وضع النحو محصورة - على رأي علمائنا - بين أربعة، وهم: عليّ بن أبي طالب، وأبو الأسود الدؤليّ، ونصر بن عاصم، وعبد الرحمن بن هرمز.
وأما ابن عباس فله الفضل في وضع حجر الأساس لبعض العلوم في العربية كعلم الدلالة.
والذي أراه أن النحو لا يعزي في وضعه لعالم بعينه، إنما هو جملة من الأنظار والملحوظات والإشارات اللغوية التي أثارها طائفة من النابهين وأصحاب الذائقة اللغوية الرفيعة من الصحابة والتابعين، ومن جاء بعدهم، فأسهموا جميعاً - بدرجات متفاوتة - في إرساء الأسس النحوية الأولى في المدينة، ثم انتشرت هذه الملحوظات والأنظار، وتداولها المهتمون بالعربية، في الأمصار، كالبصرة في بادئ الأمر، ثم الكوفة، فكانت النواة للنحو العربي، الذي نضج في أواخر القرن الثاني، وكانت النواة لعلم العربية بعامة.
وكان لهؤلاء الأربعة قدم راسخة في إرساء الأسس لهذا البنيان الشامخ، وكان اشتهارهم في هذا الفن مع تقدم زمانهم مدعاة لأن يرفع الرواة والمؤرخون من شأنهم، وينسبوا إليهم وضع النحو.