وأمّا الفريق الثّاني فإنّه يجيز إحياء الممات واستعماله لدوره المهم في تنمية اللغة وإثرائها، ومن أقدم من قال ابن درستويه في رده على ثعلب الّذي يمنع استعمال الماضي والمصدر من وَذَرَ ووَدَعَ، قال ابن درستويه:"واستعمال ما أهملوا [٢٠] جائز صواب وهو الأصل وقد جاء في الشّعر منه قول أبي الأسود ... وقَرَأتَ القرّاء ... واستعمال ما لم يستعمله العرب م ن ذلك [٢١] غ ير خطأ، بل هو في القياس الوجه، وهو في الشّعر أحسن منه في الكلام، لقلّة اعتياده؛ لأنّ الشّعر - أيضاً- أقلّ استعمالاً من الكلام"[٢٢] .
ويدلّ هذا الرّأي الجريء من ابن درستويه على فهم دقيق مبكّر لدور الممات، وأهميّته في اللّغة ونموّها.
ويبدو لي أنّ كثيراً من علماء العربيّة المتقدّمين يوافقون على هذا الرّأي وإن لم يصرّحوا به، وإنّما يفهم من موقفهم من ماضي (يَدَعُ) فهم يحكمون بأنّه من الممات، مع أنّهم ذكروا بعض الشّواهد على استعماله، من دون أن يخطّئوا صاحبه، أو يضعّفوا قوله، وذكروا بعض القراءات وهم يرون الاحتجاج بالقراءات الشّاذّة في اللغة، وليس لذلك تفسير عندي سوى الإقرار منهم بأنّ الفعل المَيّت قد يظهر في الاستعمال على قلة إذا دعت الحاجة إليه في شعر أو غيره، فيكون من باب إحياء الممات.
وقد حمل الأستاذ سعيد الأفغاني على علماء العربيّة القدامي وسفّه قولهم بإماتة هذا الفعل، وقال:"والطّريف أنّ بعض المحقّقين ممّن تأخر زمانه عن أولئك صحّح خطّأهم فأثبت صاحب المصابح هذه اللّغة الفصيحة في معجمة واستنكر ادّعاءهم الإماتة ...
وبذلك ترى تسرّب الوهن إلى بعض أحكامهم إذ كانت خطّتهم ينقصها الإحكام في المنهج والكفاية في الاستقراء معاً، وكان عليهم قبل إرسالها استيعاب قراءات القرآن على الأقلّ والاحتجاج بها" [٢٣] .