ولو تدبّر الأستاذ الأفغاني -رحمه الله - في ذلك وتأمّل طريقة علمائنا في تناول هذا الفعل المتمثلة في الجمع بين قولهم بإماتته وروايتهم قدراً من الشّواهد على استعماله لربّما توصّل إلى مثل ما توصّلت إليه، وتجنب اتهامهم -رحمهم الله- بالخلل في المنهج وعدم الكفاية في الاستقراء.
ويبدو أنّ في صنيع أصحاب المعاجم دلالة قويّة على أهميّة الممات، وأعنى بذلك احتفاظهم بالممات في بطون المعاجم الكبيرة المتأخّرة، كـ (التكملة) و (العباب) و (اللسان) و (القاموس) و (التاج) ولعلّ ذلك إرهاص لإحيائه عند الحاجة، وفي هذا كانت المزية للعربيّة، إذ لا تحتفظ سائر اللّغات إلا بالمستعمل، وهو مهدّد بالموت، ومعرّض لقوانين التّطور اللّغويّ والتّعبير الصّوتيّ، فإذا أميت بالترك لم يكن في طبائعها ما تعوض به المتروك الجديد بمتروك قديم، فتضطرّ إلى الاستجداء من لغات أخرى [٢٤] ، فقد تصاب بالتّخمة والتّسمم لكثرة ما في أحشائها من الدّخيل.
ولقد ظهرت دعوات في الأوساط اللّغويّة العربيّة المعاصرة للاستفادة من الممات وإحيائه بطريقة منظّمة، تتمشّى مع خطّة معيّنة، تمليها السّياسة اللّغويّة، وتهدف إلى التخلّص من الكلمات الأجنبية أو إلى سدّ النقص الملحوظ في الاستعمال، الّذي لا يمكن معالجته بالطّرق المألوفة، وقد شاع هذا الاتجاه في لغات أجنبيّة في القرن الثامن عشر، كاللغة الألمانية، عند ما جاهد دعاة المحافظة على اللغة وقواعدها في سبيل التّخلّص من الكلمات الفرنسيّة الدّخلية [٢٥] .