كان العرب على إرث من إرث آبائهم في لغتهم وآدابهم ونسائكهم وقاربينهم -كما يقول ابن فارس [٢٥]- فلمّا جاء الإسلام حالت أحوال، ونقلت دلالات، وأميتت ألفاظ كره العرب النّطق بها في الإسلام؛ لأنّه نهى عنها للمدلول الّذي تحمله، قال عزّوجلّ:{يَا أَيُّها الَّذِين آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وقُولُوا انظُرْنَا}[٢٦] وقد قيل: "إنّ (راعنا) كلمة كانت تجري مجرى الهزء فنهى المسلمون أن يلفظوا بها بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك أنّ اليهود - لعنهم الله - كانوا اغتنموها فكانوا يسبّون بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نفوسهم، ويتسترون من ذلك بظاهر المراعاة منها، فأمروا أن يخاطبوه بالتّعزيز والتّوقير "[٢٧] .
وقال ابن تيمية:"ومما يدل من القرآن على النهي عن مشابهة الكفار: قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} .
قال قتادة وغيره: "كانت اليهود تقوله استهزاء؛ فكره الله للمؤمنين أن يقولوا مثل قولهم".
وقال أيضاً: "كانت اليهود تقول للنبي صلى الله عليه وسلم: راعنا سَمْعَك، يستهزؤون بذلك. وكانت في اليهود قبيحة".
ورى أحمد عن عطية العوفي قال: قال: كان يأتي ناس من اليهود فيقولون: "راعنا سَمْعَك، حتى قالها ناس من المسلمين فكره الله لهم ما قالت اليهود". وقال عطاء: "كانت لغة في الأنصار في الجاهلية".
وقال أبو العالية: "إن مشركي العرب كانوا إذا حَدَّت بعضهم بعضاً يقول أحدهم لصاحبه: راعني سمعك فنهوا عن ذلك وكذلك قال الضحاك. فهذا كله يبين أن هذه الكلمة نُهِي المسلمون عن قولها لأن اليهود كانوا يقولونها، وإن كانت من اليهود قبيحة، ومن المسلمين لم تكن قبيحة لما كانت مشابهتهم فيها من مشابهة الكفار، وطريقهم إلى بلوغ غرضهم" [٢٨] .