ومن ذلك أنّهم أماتوا كلمة ((العَتِيرة)) وهي شاة كانت تذبح في الجاهليّة في رجب يتقرّب بها، ثمّ نسخت العتيرة بالأضاحي [٢٩] ، وقيل إنّ العتيرة هي الشّاة الّتي كانت تذبح في الجاهليّة وتقدّم للأصنام، فيصبّ دمها على رأسها [٣٠] .
ومن ذلك ((الصّرورة)) روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال:"لا صرورة في الإسلام "[٣١] وهو التّبتّل في الإسلام، وأصل الصّرورة أنّ الرّجل في الجاهليّة كان إذا أحدث حدثاً فلجأ إلى الحرم لم يُهَجْ، وكان إذا لقيه وليّ الدّم في الحرم قيل له: هو صرورة، فلا تَهُجه، ثم كَثُر ذلك في كلامهم حتّى جعلوا المتعبّد الّذي يتجنّب النّساء: صرورة، وصرورياً [٣٢] ، كما تقدم في الباب الأول.
وللرّافعيّ تعليل في إماتة الإسلام هذا النّوع من الألفاظ، وهو أنّهم كرهوا النّطق بها في الإسلام لخوفهم على العرب أن يعودوا في شيء من أمر الجاهليّة، فمنعوهم من الكلام الّذي فيه أدنى متعلّق [٣٣] .
المبحث الرابع: العامل الاجتماعي
قد تنحطّ دلالة الكلمة فتدلّ مباشرة على ما يستقبح ذكره، كدلالتها الصّريحة على قذارة أو نجس، أو عضو تناسليّ، أو غريزة جنسيّة، فيكون ذلك إيذاناً بتركها ثمّ موتها، فيبحث المجتمع عن كلمة أخرى ليس فيها ذلك المعنى المباشر، أو يلجأ إلى الكناية، ثم تستخدم الكلمة، فتحمل مع كثرة الاستعمال ما تحملته سابقتها، ومن ذلك كلمة ((الغائط)) مثلاً، فإنّها كناية عن ذلك الشّيء في أصل الاستعمال اللّغوي، ومعناها اللّغويّ القديم المكان المنخفظ.
ويمكن القول: إن الأسباب الاجتماعية ((واضحة جداً في تغيّر الكلمات مراعاة للّياقة، إذ ليس من الّلائق أن يتكلّم في أحد المجتمعات عن أفعال معروفة بالفظاظة، أو بأنّها مما يجرح الحياء)) [٣٤] .