وكان التعصب المذهبي قد بلغ ذروته، حتى وصل بهم إلى أن تقام في المسجد الحرام أربع جماعات في الصلاة المفروضة، لكل أهل مذهب جماعة وإمام ومقام، وقد رأيت أبنية هذه المقامات في المسجد الحرام، وهذا لاشك له أثره في تفريق جماعة المسلمين، وتمزيق صفوفهم، فرحم الله الملك الإمام على توحيده الأمة.
هكذا كان الواقع في الحجاز وغيره، سواء كان في الشرق أو في الغرب أو في الشمال أو في الجنوب؛ قبل قيام الملك الإمام عبد العزيز بتأسيس دولة التوحيد؛ المملكة العربية السعودية، فلما هيأ الله عبد العزيز سلطانا للإسلام نصيرا، وملكا للعرب حاميا، وقدوة للمسلمين وعزاً، ولما لم يكن كذلك بمشيئة أجنبي أو مستعمر، بل بمشيئة الله تعالى وحده، قام فيهم مقام الولي؛ مقام وريث النبي؛ الذي يبعثهم على القيام بأمر الله، وتحقيق توحيده، ويذهب عنهم مذمومات الأخلاق، ويأخذهم بمحمودها، ويؤلف كلمتهم، لإظهار الحق، فتم توطينهم واجتماعهم على تحقيق التوحيد؛ الذي هو حق الله على العبيد، وأصبح الوازع لهم من أنفسهم، وذهب خلق الكبر والأنفة والجفاء والغلظة والمنافسة والحسد على الدنيا، ذهب ذلك منهم، فسهل انقيادهم، وتوافقت أهواؤهم، على إمامته؛ بما يقيم لهم من الملك، وما يقيم فيهم من التوحيد؛ الذي هو حق الله على العبيد؛ فحصل له ولأبنائه من صلبه ومن شعبه توحيد المملكة العربية السعودية على ولايتهم؛ قدراً كونياً، وشرعاً دينيا؛ رغم ما كانت عليه الحال من الشتات والشقاء والفرقة، فلله الحمد والمنة.