وعلى صعيد العمل الإسلامي المعاصر يتراءى للناظرين تعدد مناهج الإسلاميين أنفسهم وهم يرومون تقويم ما اعوج في مسيرة المجتمعات الإسلامية، ويصدون عنها ما اعتراها من أسباب البعد عن منهج اللَّه، والركون إلى المادية الجوفاء، فمنهم من جنح إلى الأخلاق يدعو إليها، ويلاحي عنها، ويقتصر عليها، ومنهم من صوّب جهده وطاقته صوب الحزبية فهو يخوض غمارها، ويزج بنفسه في معتركها في غير طائل، ويرى بأم عينه انغماس الناس في البدع والشركيات واتخاذ الأسباب الصارفة عن أنوار التوحيد واقتفاء السنة فلا يحفل به، ومنهم من يرى التقدم كامناً في احتذاء النمط الغربي ضارباً عرض الحائط بمقومات الدين الحنيف وثوابته وقيمه وآدابه، ومنهم من ضاق أفقه فانحصر المنهج عنده في الزهد والخمود واعتزال المجتمع، بل ومنهم من يرى في التأصل تنفيرا وتفريقا للأمة، فهو يعادي ترسيخ العقيدة في القلوب ويجافي تصحيح المفاهيم الخاطئة لمعنى كلمة التوحيد ومقتضياته ... وتلك نماذج.
وعلى هذا فإن إبراز المنهج الأصيل الذي سار عليه ودعا إليه الأنبياء والمرسلون - عليهم الصلاة والسلام - واجب الدعاة والعلماء والولاة لا يسعهم غير ذلك؛ لأن بنيان المجتمع الإسلامي لا ينهض ولا يستقيم إلا على توحيد اللَّه تعالى وإفراده جل وعلا بالعبادة فلا إله غيره ولا رب سواه، وإن العمل على هذا الأصل منقبة الدهر يصطفي اللَّه تبارك وتعالى للتمسك به، والدعوة إليه، المخلص من عباده العلماء والولاة في مختلف الأجيال، وتعاقب الأحقاب.