للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من أبرز ما يشد المتأملين في أخلاق الملك عبد العزيز وهو سليل بيت أصيل عرف بالخلق الكريم:

(بره بأبيه) وكيف لا يبر عبد العزيز بأبيه وهو داعية التوحيد، وهو يعلم أن البر بالوالدين مقرون بالتوحيد في التنزيل الحكيم، ولقد كان بر الملك عبد العزيز بأبيه الإمام عبد الرحمن الفيصل آية يندر مثالها في سير الملوك..

يحدثنا التاريخ عن هذا الجانب المشرق من أخلاق عبد العزيز الملك الإنسان فيقول: "بعد عودة جلالته من مكة المكرمة إلى الرياض كنت أرى جلالة الملك تأدبا مع أبيه، يقف على الباب قبل الدخول يصلح من عقاله ويرتب ثوبه، فيدخل بكل أدب وخشوع حتى وصل والده فقبله بين عينيه وجلس بين يديه بكل احترام وإجلال، ثم قدم لجلالة والده بعض رجال حاشيته، وطفق يسأل والده عن صحته وراحته وهو متيقظ بكل بادرة تبدو من أبيه ليأمر بالإسراع في إنفاذها، أقمنا قليلا في المجلس نسمع حديث الإشفاق والتحنان يتداول بين الولد وأبيه ثم خرجنا من المجلس وتركناهما يتناجيان.

هذا ما استطعنا وصفه من المشهد، وأما ما كان يدركه الوجدان من حس العطف الأبوي وخفض جوانح الذل من الرحمة في الولد فهذا ما نعجز عن وصفه، وانه لخلة في جلالة الملك وعلو في نفسه أن يرى الناس فيه - وهو الآمر الناهي في ملكه - هذا الانقياد والطاعة لأبيه، وإنها لمنزلة من الرضوان حق له أن يفاخر بها، وحق على باقي أفراد الرعية أن يتأسوا بتواضعه" [٢٣] .

فهذه العلاقة بين الأب وابنه التي ذكرها حتى الغربيون بشيء كثير من الإعجاب [٢٤] كانت نابعة من الأصالة التي غرسها الإسلام في أبنائه، فعبد العزيز في غمرة النصر وفي نشوة الغلبة والحكم وحتى بعد أن أخضع سائر خصومه واستتب له الأمر ظل بارا بوالده خافضا له جناح الذل من الرحمة كما أمر القرآن الكريم، وهذا نموذج في الحكام قليل بل نادر.