وتتبدى أصالة عبد العزيز كثيرا في سيرته الميمونة في هذا الخلق العظيم، قال الزركلي تحدث فلبي عن أول مرة رأى فيها الملك عبد العزيز سنة ١٣٣٣هـ[١٩١٥م] فقال ما خلاصته: "دخلت الرياض يصحبني الكولونيل كانليف أوين، وجندي يخدمنا وقد ارتدينا الملابس العربية وكان في استقبالنا إبراهيم بن جميعة فدخل بنا القصر إلى غرفة كان فيها شيخ ضئيل الجسم في نحو السبعين من عمره، سلمنا عليه ودعانا إلى الجلوس وجئ بالقهوة، وهو يسأل عن أحوالنا ويلاطفنا، قال فلبي: وبينما كنت أقول في نفسي من هذا؟ وأين ابن سعود؟ إذا بالشيخ ينهض متمهلا ويقول: مرحبا بكم، حديثكم مع الابن عبد العزيز.. وما كاد يتوارى حتى انتصب من زاوية المجلس عملاق أقبل علينا فعرفنا أنه سيد الجزيرة، وكان منطويا على نفسه في حضور أبيه، وكأن عيني لم تقع عليه"[٢٥] .
ومثل هذه الأخلاق لا تبدر إلا من ذوي الخلق العظيم والحظ العظيم.
وكان رحمه الله يقول:"رحمة الله على والدي لقد كان يعاملني كأنني أنا الوالد وهو الولد، وما رأيت قط كهذه بين الآباء والأبناء أو بين الإخوة والأقربين"[٢٦] .
ومن لطائفه المؤثرة التي تستأهل وقفات ووقفات للتأمل والاتعاظ بأخلاق عبد العزيز الإنسان المسلم أنه دخل على أبيه الإمام عبد الرحمن في الرياض فقبل يديه وتزود بدعائه ورضاه، واحتشد من في الرياض لوداعه فكان مما قال:"إني مسافر إلى مكة لا للتسلط عليها بل لرفع المظالم عنها، إني مسافر إلى مهبط الوحي لبسط أحكام الشريعة ولن يكون في مكة بعد الآن سلطان لغير الشرع"وكان سفره من الرياض على الذلول يوم ١٣ربيع الثاني ١٣٤٣هـ[٢٧] .
ومن أخلاقه لينه وتواضعه لشعبه، ومن حق جيلنا أن يعرف أصالة الأخلاق التي تبوأها الملك عبد العزيز، والأخلاق في كل أمة وفي كل جيل هي معيار الأصالة ومقياس الصلاح والتقوى.