يقول المستشرق فلبي بعد أن ذكر الشورى وتلاحم الشعب بقيادته:".. ويعود الفضل في ذلك بالطبع لابن سعود إذ أنه لم يقطع الاتصال برعاياه مهما سبب له ذلك من إزعاج، لا فرق بين الكبير والصغير، والغني والفقير، كان يستمع إلى شكاواهم ويساعدهم في التغلب على مصاعبهم، وكان هذا طبيعة فيه تلازمه، وإنه لمن المدهش حقا أنه استطاع بالرغم من مشاغله العظيمة والمزعجة أن يجد متسعا من الوقت يقوم فيه بتأدية هذه الآلاف المؤلفة من المساعدات البسيطة أو يفكر فيها، هذه المساعدات التي حملت الكثيرين من الناس بعد وفاته على أن يمجدوا ذكراه ويترحموا عليه، فلقد كرس حياته لخدمة الآخرين، وربما كان هذا هو السبب الذي جعله لا يكل جزءا من هذه الأعباء التي يحملها على عاتقه طول حياته لأخلص مستخدميه وموظفيه"[٢٨] .
وكثيرا ما نقرأ في سيرة الملك عبد العزيز وكثيرا ما نسمع من كبار السن الذين عاصروه أنه كان يناديه أفراد شعبه باسمه المجرد وكان أحدهم يقول يا عبد العزيز! ويرفع مظلمته ويعرض حاجته وهو في موكبه الملكي فيقف وينصت ويأمر ويوجه، وهذه في الحقيقة أخلاق لا تصدر إلا من مشكاة النبوة يتمثلها الحاكم المسلم الورع فيزداد قربى من الله وزلفى ويزداد في أعين شعبه تألقا ورفعة.
ومما يدل على كرم معدنه وأصالته أن كان يقوم بمسئوليته الجسيمة في إدارة دفة الحكم وتصريف شئون الدولة بتفان وإخلاص عظيمين ولو على حساب صحته، وهذا ما دفع المستشرق الإنجليزي فلبي إلى القول:"إنها هنات مزايا رجل عظيم، رجل عظيم لا يضاهيه أحد في منطقته مخلص في دينه وصادق وغيور على سمعته واسمه وخير شعبه، لهذا فإنه لم يثق بأي من موظفيه ورعيته في أن يخدمه بالغيرة والكفاءة اللتين أظهرهما هو في خدمتهم، وكثيرا ما كان يردد القول المعروف: كبير القوم خادمهم"[٢٩] .