نعم حتى في هذه الحالة، لقد وجدت أن الطريق الديني يؤدي على المدى الطويل إلى النجاح السياسي باستمرار، ولا تنس مرة أخرى أنني لا أقوم بأعمالي على أساس أقوال الرسول وحدها ولكن أيضا على أساس ما فعله في حياته أيضا.
ومرة أخرى رفع الملك صوته وكأنه يخاطب الجالسين في مؤخرة الخيمة، واستطرد قائلا: لا شك أن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم هي المصدر الأكبر لإلهامي، وإذا تصرفت وفقا لمثل هذا المثال فلابد أن أنجح في النهاية، وإذا كنت أحاول أن أكون عادلا، وغير منحاز، كحاكم فإنني أفعل ذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان عادلا وغير منحاز.
وسألني وقد عادت إلى وجهه الابتسامة التي كانت تضيئه عند بداية الحديث: إلى أين ستذهب من هنا؟ وعندما أخبرته بالزعماء الآخرين الذين آمل في مقابلتهم في الشرق ثم في أوربا بعد ذلك، قال لي: إنني متأكد أنك ستجد في هؤلاء الرجال كلهم قناعات أخلاقية عميقة، والتزاما بدينهم مشابها للالتزام الذي يحكم أعمالنا في هذه الدولة.
وأدهشتني هذه الكلمات التي نطق بها الملك إلى حد ما، وخصوصا لأنني ذكرت دولة تسود فيها نظريات معينة جديدة تحل محل الإيمان بالله، ومع ذلك كان الملك جادا وكانت نبرة الإقناع المتعاطف في صوته تشير إلى فلسفته الواضحة لا تسمح بوجود أي معتقدات سوى المعتقدات التي ذكرها للتو، ومن وجهة نظري ربما كانت سياسته تعكس التعقيد الذي يرتبط بالشرق ولكن لم يكن هناك أي تعقيد في إيمانه بالله تعالى" [٢] .
ويُستنتج من هذا الحوار العلمي التاريخي عدد من أسس المعاصرة على ضوء الأصالة، وهي - أيضا - عوامل الاستقرار الشامل للدولة الإسلامية العصرية من خلال الفكر السياسي للملك عبد العزيز ومنهجه - طيب الله ثراه - يتخلص في الفقرات التالية: