للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَّا في مكَّة المكرَّمة فكانت الإمارة فيها للأشراف، والتي تنصرف غالباً للشؤون المحلية.

وهكذا استقل الأتراك بحكم المدن وأهملوا مناطق وبوادي الحجاز الداخلية.

وكان هذا الحكم الثنائي المزدوج الذي خضع له الحجاز من أهم عوامل تأخره واضطراب أحواله، واختلال الأمن في ربوعه؛ بل وانعدامه في بعض الأمكنة والأزمان [٥٩] .

ونتيجةً لذلك عمَّت المشكلات الداخلية، وساد الاضطراب بين

القبائل، وأغارت بعضها على بعض، وأوجدت الأعراف القبلية فيما بينها والتي لم تستند على أصول شرعية أو قواعد فقهية معتبرة؛ بل استندت في مجملها إلى ما استحسنته عقولها البدوية القاصرة، فلم ترو عطش الناس إلى العدل، ولم تشبع نفوسهم المتطلعة إلى الحق، ولا قلوبهم المشرئبة إلى الأمن والطمأنينة.

كذلك كان الحال بالنسبة للحجاج الذين يفدون من كل حدب وصوب لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام، كانوا لا يأمنون على أنفسهم ولا على أموالهم وأمتعتهم في كثيرٍ من الأحيان.

يقول حسين نصيف موضِّحاً حالة الأمن في الحجاز في عهد الشريف حسين المدعوم من الدولة العثمانية والحاكم باسمها:

"إنَّ الأمن في عهد الحسين لم يكن شيئاً إلاَّ في جهات قليلة من جدَّة بحراً، فالسواحل الحجازية، وبرّاً من جدَّة إلى مكَّة، فمنى، فعرفة، فمزدلفة إلى الطائف. أمَّا طرق المدينة فالكل يعلم أنَّه غير قادر على أن يقيم الأمن فيها وذلك بتعدِّي – بعض – القبائل على الطريق وأخذ الضرائب من الحجَّاج، ورجوع القوافل الزائرة مرَّات عديدة منكصة على أعقابها إلى مكَّة، وكان الأمن في أيام تركيا كما كان عليه أيام الحسين إن لم يكن أقل من ذلك" [٦٠] .

ويزيد الأمر وضوحاً رابح لطفي جمعة بقوله: