فحاموا كلهم على هذه الطريق وربطوها، وقطعوها، وتقاسموا أموال قوافلها كان يجيء التاجر من البحرين مثلاً فيدفع قبل أن يطأ برجله العقير خوة للعجمان.
ومن العقير إلى النخل خمسة أميال، وخمسون ريالاً خوة للمناصير، ومن النخل إلى أم ذر خمسة أميال، وخمسون ريالاً خوة لبني مرة ومن أم ذر إلى العلاة خمسون ريالاً خوة لبني هاجر ومن العلاة إلى... الخ، وإذا فاز التاجر المسكين بحياته وبقي في كيسه، فمن المؤكد أن أحماله لا تصل كلها إلى الحسا، وكان إذا خرج عسكر الترك لتأديب أحد من هؤلاء العشائر يطاردهم البدو فيغلبونهم ويأخذون خيلهم وثيابهم..
هذه هي حال الأحساء قبل أن تسقط في يد ابن سعود، أما اليوم فقد مررنا في النفود بجمل بارك رازح تحت حمله فسألت عن صاحبه فقيل لي إنه سار في طريقه، وسيرجع بعد أن يصل إلى البلد بجمل آخر يحمل البضاعة وقد يموت الجمل الرازح ويبقى حمله على قارعة الطريق عشرة أيام فيعود صاحبه فيجده، وما مسته يد بشرية كما تركه في مكانه كيف تمكن ابن سعود من إقامة مثل هذا الأمن وتوطيده في بلاده؟
بأمرين:
أولهما: الشرع.
وثانيهما: تنفيذ أحكام الشرع تنفيذاً لا يعرف التَّردُّد ولا التمييز ولا الرأفة" [٥٣] .
هكذا استطاع الملك عبد العزيز رحمه الله إعادة صياغة إنسان هذه الجزيرة بوسائل مضمونة النتائج فتغيرت الأوضاع، وعاش الناس في أمن واستقرار، والوسائل التي غير بها عبد العزيز أوضاع الجزيرة باقية صالحة لكل زمان ومكان ولتحقيق ذات النتائج متى مكن لها كما أراد الله وذات الوسائل هي التي استمرت في إعطاء أفضل النتائج إلى اليوم في المملكة العربية السعودية رغم تطور المجتمعات البشرية الاجتماعي والأخلاقي وانفتاح العالم على بعضه بشكل مذهل.