والخلاصة: أن المراد الشرعي بالجماعة، في كل وقت وزمان: هم جماعة من المسلمين موثوق بديانتهم، تم اجتماعهم على تأمير إمام موافق للكتاب والسنة، وعقدوا له البيعة على ذلك، ولم يسبقوا بجماعة أخرى، فعقدهم صحيح، ولو لم يجتمع عليه الجميع، وليس لغيرهم أن يحل ذلك العقد، وهذا هو ما قرره الإمام ابن جرير الطبري فيما تقدم من قوله:"فالجماعة التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلزومها وسمى المنفرد عنها مفارقاً لها، نظير الجماعة، التي أوجب عمر الخلافة لمن اجتمعت عليه، وأمر صهيبا بضرب رأس المنفرد عنهم بالسيف، فهم في معنى العدد المجتمع على بيعته وقلة العدد المنفرد عنهم ".
وحيث يتضح المراد الشرعي بالجماعة مما تقدم، بقي أن نبين ضرورة تعيين الجماعة، فإلى ذلك في المبحث الآتي:
ضرورة تعيين الجماعة:
حيث لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بسمع وطاعة، وهذه الثلاثة متلازمة، آخذ بعضها ببعض، لا قيام للإسلام إلا بهذه الثلاثة، ولقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزوم الجماعة وإمامهم، والسمع والطاعة للأمير، وإن ضرب الظهر وأخذ المال، أمرا يدل على الوجوب، ونهى عن الخروج على الجماعة ومفارقتها، نهيا يدل على التحريم، وقد بوب الإمام النووي لأحاديث صحيحة وردت في صحيح مسلم، تدل على هذا دلالة قاطعة، فقال:"باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن، وفي كل حال، وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة "، كما وردت أدلة أخرى تفيد العلم اليقيني بهذا الحكم في الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار، وحيث لا يمكن القيام بفعل هذا الواجب، وترك هذا المحرم إلا بتعيين الجماعة، ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
إذاً: فلابد من تعيين الجماعة ومعرفتها، ليتحقق القيام بواجب لزومها، ولزوم إمامها، والاقتداء بها والاعتصام بذلك من تركها وفراقها المحرم.