بدأت الدولة السعودية الأولى تتصف بصفة الجماعة، منذ أن استقبل الأمير محمد بن سعود، شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، في الدرعية سنة (١١٥٨هـ) وأحسن استقباله حيث سار إليه برجله في مكانه في بيت ابن سويلم، وأظهر تعظيمه والاحتفال به؛ فسلم عليه ورحب به، وأبدى له غاية الإكرام والتبجيل، وأخبره أنه يناصره ويمنعه من عدوه بما يمنع نساءه وأولاده، وقال له أبشر ببلاد خير من بلادك، وأبشر بالعز والمنعة، على حين أن الشيخ جاء إلى الدرعية مخذولاً غير مرغوب فيه من الأمراء وملك الأحساء، صاحب النفوذ، ومن سائر الحكام في وقته، لأن ما يدعو إليه من تجديد الدين ينافي ما هم عليه من سيادة الطاغوت القائمة على البغي والجهل بل إن أول من نزل إليه الشيخ في الدرعية تبرم به خوفاً من الأمير محمد بن سعود، فانتقل الشيخ إلى تلميذه أحمد بن سويلم في الدرعية أيضا، وذلك أن الشيخ لما كان في العيينة قد ساعده أميرها عثمان بن معمر في أول الأمر، فأمر الشيخ بهدم القباب والمساجد المبنية في الجبيلة على قبور الصحابة رضي الله عنهم، وقطع الأشجار التي تنتابها الخلق في كل ساعة، فبادر عثمان بذلك وخرج الشيخ معه وجماعتهم، فهدموا تلك المساجد المبنية عليها، وأزالوا تلك المشاهد المصروفة إليها العبادة، ومحق ما في العارض من المعبودات من دون الله تعالى، ولم يزل رحمه الله مقيما في بلد العيينة، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويعلم الناس دينهم ويقيم الحدود حتى أمر برجم الزانية فرجمت، فشاع ذلك واستبان، فاستنكرته قلوب الطغاة، وعجوا مطبقين بأنه ساحر كذاب، وحكموا بكفره ومن معه من الأصحاب، وجدوا في التحريش عليه، وأرسلوا بذلك إلى الحرمين الشريفين والبصرة وغيرهما، وكثر القيل والقال من أهل البدع والضلال، وشكوا شيخهم رئيس بني خالد، فكتب إلى عثمان يأمره بقتله، أو إجلائه.