ونعود إلى قصة ذلك اللقاء المبارك بين الشيخ والأمير، فنقول: لما تم ذلك الوفاق التاريخي القدري، بين العالم الرباني والأمير الراشد على نصرة التوحيد، اكتمل عقد القوة العلمية والعملية لجماعة المسلمين، وقامت الدولة السعودية الأولى على ذلك، بإمامة الأمير الراشد محمد بن سعود، وجد واجتهد في القيام بنصرة التوحيد والقضاء على الشرك والبدع والخرافات، والسير على منهج أهل السنة والجماعة حتى توفاه الله تعالى سنة ١١٧٩هـ رحمه الله تعالى.
وقد تولى الإمامة بعد وفاته ابنه الإمام عبد العزيز، وكان أشهر من أبيه، فقد استتب له الأمر تسعة وثلاثين عاما، وأدخل جميع نجد في طاعته، والأحساء والقطيف وعمان، والحرمان الشريفان بقيادة ابنه سعود، ووصلت غزواته مشارف الشام، وكربلاء في العراق، واليمن، وكان عالما عادلا ورعا، وشجاعا مقداما، قتله رافضي من أهل النجف في العراق، جاء متنكرا باسم عثمان، بدسيسة من والي بغداد، قتله غدرا وهو قائم يصلي العصر بالناس، في مسجد الطريف في الدرعية، سنة ١٢١٨هـ رحمة الله عليه.
وبويع بالإمامة ابنه سعود، وكان قائدا عظيما، وعالما جليلا، ذكيا يحسن الخط والقراءة، فصيحا إذا تكلم أنصت له الكل، وفارسا مغوارا وحاكما عادلا، لا تأخذه في الله لومة لائم، تولى ملك أهل السنة والجماعة، وجند جنودا تزيد على أربعمائة ألف ما بين فارس وراجل، حتى خضعت له جميع أنحاء الجزيرة العربية، واستتب الأمن في جميع ربوعها، وحاول مناهضة ملوك الدنيا في سبيل إعلاء كلمة الله وإخضاع ممالكها للسنة والجماعة، وبارزته السلطنة العثمانية بالعداء والقتال، وجيشت الجيوش الكثيرة ضده فهزمها هزيمة شنيعة، وكان مدة حياته لم تهزم له راية، وعليه من الأبهة والهيبة والجلال ما يبهر العقول، ثم توفي رحمه الله سنة ١٢٢٩هـ وكانت ولايته إحدى عشرة سنة.