"وقد علمت من بعض كبار السن، أنه إذا اتفق البدو في بعض أطراف الجزيرة العربية من منطقة الحجاز، على التقاضي على يد قاض معين، يقدم كل واحد منهم "معدال"، وهو: "عبارة عن آله من آلات الحرب كالسيف أو الخنجر أو البندقية"، ونادراً ما تقدم مبالغ مالية، وذلك لقلتها، وإهانتها أمام السلاح، على اعتبار أن السلاح أهم من المال ... ، ويوضع هذا "المعدال" ... ، لدى شخص القاضي، وبشهادة شهود يضمن به تنفيذ ما حكم به عند قناعتهم به، وهو أشبه بالكفيل..، وبعد التنفيذ يعادلهم ذلك المعدال"[١] .
أما في الجهات التي تخضع لسلطان الدولة العثمانية، ففيها محاكم قائمة لها قضاؤها وكتبتها وسجلاتها الخاصة بها، وفق النظام القضائي المعمول به في الدولة العثمانية، وقد رأيت في أرشيف محكمة المدينة المنورة شيئاً من هذه السجلات الصادرة في العصر العثماني، وبعض العصور قبله إذْ أقدم الصكوك الموجود فيها صادرة (في القرن العاشر الهجري) ، بداية العام ٩٦٣هـ فما بعده إلى عصرنا الحاضر.
المبحث الثاني
مراحل تطور أنظمة (كتابة العدل) في عهد الملك عبد العزيز رحمه الله
بإطلالة سريعة على تاريخ القضاء في شبه الجزيرة العربية قبل ظهور الملك عبد العزيز، وحتى تأسيس المملكة العربية السعودية، يتضح لنا جليّاً حالة ولاية التوثيق في العصور الماضية، وهذا موجز لأحوالها قبل ظهور الملك عبد العزيز وتأسيس دولة التوحيد المعاصرة.
ففي جزيرة العرب ومنذ عصر قديم، ضعفت الولاية السياسية على جزيرة العرب، من قبل الدول الإسلامية الماضية كالدولة العباسية ودولة المماليك والدولة العثمانية، وكان لهذا الضعف السياسي تأثيره العظيم على كل النواحي السياسية والإدارية والاجتماعية والأمنية..، الخ.