إن إدراك الحقائق الماثلة، والتعامل معها بوعي مستنير، مسلك حضاري ومظهر إيماني، ينم عن عقلية متزنة، وفهم بصير، وعند الإخلال بهذه المعطيات، ينفرط عقد الحقيقة، وتغيب وسط دياجير الغفلة وحوالك الظلم المفضي إلى الخلافات المستعصية، والثارات الدائمة، والخلاف المتكلف الممجوج، ولقد حرص الملك الإمام عبد العزيز – رحمه الله – منذ خطواته الأولى نحو الوحدة ونبذ الفرقة، على إنارة العقل العربي، وتزويده بمدارك الفهم والعلم على أسس متينة، وثوابت علمية، حيث أدرك بثاقب بصره، ونور بصيرته، وسداد رأيه، أن أكثر ما يعانيه مواطنوه – قبل الوحدة – من انحراف عقدي وصراع قبلي، وتخلف اقتصادي يرجع إلى مكنة الجهل في صدورهم، والفراغ في عقولهم، والقسوة في قلوبهم، فعالج – رحمه الله – كل ذلك بالقيام بحركة علمية واسعة النطاق، في طول البلاد وعرضها، وفق منظومة مترابطة الحلقات، فكلف الدعاة، وشجع العلماء، وعين القضاة، وبثهم في البلاد هداة مرشدين، وأساتذة مبجلين، لاجتثاث الجهل من جذوره، وتوطين العلم في أصوله، ومحاصرة الغفلة في مكمنها، وإخراجها من قمقمها، رغم ضيق ذات اليد، ولم يلبث حتى خرج من رعيته علماء محققون وفقهاء مدققون، ومتخصصون في جميع المجالات، وقامت في عصره نواة نهضة علمية مباركة أذكى جذوتها، وأشعل أوارها، أبناؤه البررة من بعده وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – الذي تولى وزارة المعارف في بداية تأسيسها.
وكان الملك الإمام – رحمه الله – يزور بنفسه مدارس العلم ويشجع الطلبة على التزود بالعلم والتحصيل، ومن ذلك قوله:"أبنائي، إن من كان فيكم، من بيت رفيع، فليحرص على أن لا يكون سبباً في خفضه، ومن كان منكم، من بيت آخر فليبني لنفسه مجداً فقد منّ الله عليكم وأرشدكم إلى طريق الخير فاعلموا فلعلمكم منتظرون"[١٢] .