قال ابن مالك في شرح الكافية الشافية: "وإن جُرَّ العائد بحرف وجُرَّ الموصول بمثله لفظاً ومعنىً جاز حذف العائد نحو: مررتُ بالذي مررت. ومنه قوله تعالى: {وَيَشْرَبُ مِمَّا تّشْرَبُونَ} (١) أي: مما تشربون منه ... وكذلك يجوز حذف العائد المجرور بحرفٍ جُرَّ بمثله موصوف بالموصول أو عائد عليه بعد الصلة.
فإذا خلا العائد المجرور مما شُرط لم يجز حذفه عند الجمهور إلا ضرورة أو شذوذاً.
كقول الشاعر:
وإنَّ لساني شُهدةٌ يُشتفى بها
وهُوَّ على من صبَّه الله علقمُ
أراد: من صبه الله عليه، فحذف العائد المجرور بـ"على"مع اختلاف المتعلق. والمتعلقان هما: "صَبَّ"و"علقم".
فـ"على"المحذوفة متعلقة بـ"صبَّه"والمذكورة متعلقة بـ"علقم"لتأوله بصعب أو شاق أو شديد، فاختلف متعلقا جارِّ الموصول وجارِّ العائد.
وابن مالك لا يتفق مع الجمهور في عدِّ مثل هذا ضرورةً أو نادراً، بل يعدُّه قليلا.
ولعله لما كان عنده كذلك - أي قليل وليس شاذاً أو ضرورةً كما يقول الجمهور - وقع له شئ من ذلك في الألفية، حيث قال في باب "الندبة":
ويُندبُ الموصولُ بالذي اشتَهَرْ
كـ"بئرَ زمزمٍ"يلي وامَنْ حَفَرْ
فقوله: "اشتهر"صلة "الذي" والعائد ضمير محذوف مجرور بحرف جُرَّ الموصولُ بمثله غير أن متعلقي الجارين مختلفان، والتقدير: ويُندب الموصول بالوصف الذي اشتهر به.
وقال في باب "تثنية المقصور والممدود وجمعهما جمعاً تصحيحاً":
والسالمَ العينِ الثلاثي اسماً أنِلْ
إتباعَ عينٍ فاءه بما شُكلْ
فجملة "شُكل"لا محل لها صلة الموصول المجرور محلاً بالباء، والعائد ضمير محذوف مجرور بباء أخرى.
ومتى اختلف متعلق الجارين: "الذي جَرَّ الموصول والذي جر العائد فالحذف شاذ أو ضرورة عند الجمهور. وجائز بقلة عند ابن مالك كما تقدم.
وما ذهب إليه ابن مالك هو الراجح عندي. فهو قليل لا ممتنع.
(١) من الآية ٣٣ من سورة المؤمنون.