أحدهما: مقدر بالفعل وحده وهو الآتي بدلاً من اللفظ بفعله نحو: ضرباً زيداً. وهذا يعمل عند أكثر النحويين مقدماً ومؤخراً؛ لأنه ليس بمنزلة موصول، ولا معموله بمنزلة صلة؛ فيقال: ضرباً زيداً، وزيداً ضرباً.
والآخر: مقدر بالفعل، وحرف مصدري. ولأجل تقديره بهذا جُعل هو ومعموله كموصول وصلة، فلا يتقدم ما يتعلق به عليه، كما لا يتقدم شيءٌ من الصلة على الموصول.
وقد نسب السيوطي إلى ابن السراج القول بجواز تقديم المفعول على المصدر نحو: يعجبني عمراً ضَرْبُ زيدٍ.
والذي في "الأصول"خلاف ذلك؛ إذ صرّح أبو بكر بعدم الجواز فقال: "واعلم أنه لا يجوز أن يتقدم الفاعل ولا المفعول الذي مع المصدر على المصدر؛ لأنه في صلته".
ويرى ابن مالك إضمار عامل فيما أوهم خلاف ذلك، أو عدَّه نادراً.
فقد يجيء ما قبل المصدر متعلقاً به من جهة المعنى تعلق المعمول بالعامل، كقول ابن مُقْبل:
لقد طالَ عن دهماءَ لدِّي وعِذْرتي
وكتمانُها أُكني بأمِّ فُلانِ
وكقول عمر بن أبي ربيعة:
ظنُّها بي ظنُّ سوءٍ كُله
وبها ظنِّي عَفافٌ وكرمْ
قال ابن مالك:
فَلَنا في هذه أن نعلق ما تقدم بمصدر آخر محذوف لدلالة الموجود عليه، فيصير كأنه قال: لدِّي عن دهماء لدِّي. وظنِّي بها ظنِّي. فيُتلطف لذلك كله فيما يُؤمن معه الخطأ ويُثبت به الصواب.
ويكون هذا التقدير نظير قولهم في قوله تعالى: {وَكانُوا فِيهِ مِنَ
الزَّاهِدينَ} ، أنَّ تقديره: وكانوا زاهدين فيه من الزاهدين.
وزاد في شرح التسهيل تأويلين أحدهما: أن يجعل ما تقدم متعلقاً بنفس المصدر الموجود على نية التقديم والتأخير.
الثاني - وهو الذي تطمئن إليه النفس لبعده عن التكلف -: أن يكون ما تقدم متعلقاً بالمصدر الموجود نفسه، لا على نية التقديم والتأخير ولكن على أن يكون ذلك مُستباحاً في المصدر، وإن لم يُتسبح مثله في الموصول المحض كما استُبيح استغناؤه عن معمول لا دليل عليه، وإن لم يُتسبح مثله في صلة الموصول.