ومنها أن ضمير الجر شبيه بالتنوين ومعاقب له، فلم يجز العطف عليه كالتنوين.
ومنها أن حق المتعاطفين أن يصلحا لحلول كل منهما محل الآخر، وضمير الجر لا يصلح حلوله محل المعطوف، فامتنع العطف عليه.
ويرى الكوفيون ما عدا الفراء جواز العطف على الضمير المجرور دون إعادة الجار؛ وذلك لوروده في التنزيل، وكلام العرب، كقوله تعالى: {واتَّقُوا اللَّهَ الَّذي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحامِ} - بالجر - وقوله: {يَسْتَفْتُونَكَ في النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وما يُتْلَى عَلَيْكُمْ} وغيرها من الآيات والشواهد الشعرية.
ووافق الكوفيين في ذلك كلٌّ من يونس بن حبيب، والأخفش، وأبو علي الشلوبيني (٦٤٥هـ) وصحَّحه ابنُ مالك.
قال في الألفية:
وعَوْدُ خافضٍ لدى عطفٍ على
ضميرِ خفضٍ لازماً قد جُعلا
وليس عندي لازماً إذ قد أتى
في النظم والنثر الصحيح مُثبتا
وقال في التسهيل:
"وإن عُطف على ضمير جر اختير إعادة الجار، ولم تلزم وفاقاً ليونس، والأخفش، والكوفيين".
أما الفراء فقد عدَّه قليلاً مرةً فقال: "وما أقل ما تردّ العرب مخفوضاً على مخفوض قد كُني عنه".
وعدَّه مرة أخرى قبيحاً ضعيفاً لا يجوز إلا في الشعر لضعفه.
ولأن الناظم لا يرى لزوم ذلك فقد جاء في الألفية شيء منه حيث قال في باب "أمَّا ولولا ولوما":
وبِهما التحضيضَ مِزْ وهَلاَّ
ألاَّ ألا وأولينها الفعلا
فقوله: "وهلاَّ"معطوف على الضمير المجرور بالباء من غير إعادة حرف الجر.
وقال في باب "النسب":
وأولِ ذا القلب انفتاحاً وفَعِل
وفُعِلٌ عينَهما افتح وفِعِلْ
فقوله: "وفِعِل"- بكسر الفاء والعين - معطوف على الضمير المجرور بالإضافة من غير إعادة الجار.
صرف ما لا ينصرف:
ذكر العلماء أنه يجوز للشاعر أن يصرف في الشعر ما لا ينصرف؛ لأن الأسماء أصلها الصرف.
فإذا اضطر الشاعر ردَّها إلى أصلها ولم يلتفت إلى العلل الداخلة عليها.