للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله: "أكثر من أن يضبطها القلم"مما أخطأ فيه الشارح الفاضل حيث زعم أن المذكور (من) التفضيلية، فقال: "يرد عليه أنّ ما بعد (من) لا يصلح أن يكون مفضّلاً عليه، إذ ليس مشاركاً لما قبلها في أصل الفعل؛ أعني الكثرة ونظيره قولهم: أكثر من أن يحصى، [وقولهم] : الناس أكيس من أن يمدحوا رجلاً ما لم يروا عنده آثار إحسان، وهو كثير في كلام المولّدين فقيل: كلمة (من) متعلقة بفعل يتضمّنه اسم التفضيل؛ أي: متباعدة في الكثرة من ضبط القلم، ومن الإحصاء، ومتباعدون في الكياسية من مدح الرجل الخالي عن الإحسان، وردّ بأنّ (من) إذالم تكن تفضيليّة [فقد] استعمل أفعل التفضيل بدون الأشياء الثلاثة، ولاشك أن التفضيل مراد، فالمعنى أكثر مما يمكن أن يضبط بالقلم، ومما يمكن أن يحصى، وأكيس [ممّن] يتأتى منه أن يمدح الخالي عن الإحسان، إلا أنه سومح في العبارة اعتماداً على ظهور المراد". إلى هنا كلامه.

ومبنى ما ذكره أولاً وآخراً الغفول عن أصلٍ في هذا الباب، ذكره الإمام المرزوقي في شرح الحماسة، وصاحب المغرِّب، وغيرهما، وهو: أن أفعل التفضيل إذا وقع خبراً تحذف عنه أداة التفضيل قياساً، ومنه: الله أكبر، وقول الشاعر:

دَعَائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطْوَلُ (١)

فكلمة (من) في أمثال ما ذكر متعلقة بما يتضمنه اسم التفضيل، وقوله (قد يختص مواقعه بلطائف) (٢) لفظة (قد) فيه تستعار للتكثير، كما في قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ في السِّمَاء} (٣) وقول الشاعرِ:

قَدْ أَتْرُكُ القِرْنَ مُصْفَرّاً أنامِلُهُ

كأنَّ أثوابَهُ مُجَّتْ بِفِرْصادِ (٤)


(١) هذا عجز بيت للفرزدق وتمامه:
إن الذي سمك السماء بنى لنا
بيتاً دعائمه أعز وأطول
ديوان الفرزدق بشرح مجيد طراد ٢٠٩.
(٢) سقط من (م) : مواقعه بلطائف.
(٣) الآية ١٤٤ من سورة البقرة.
(٤) ومعنى مجّت: صبغت. والفرصاد: التوت، والحمرة.