للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولذلك كانت دعوى الكافر أولا إلى الإسلام؛ لأن الكفر أعظم مفسدة ينبغي أن يدرأ عنهم وعن العالم أجمع لما فيه من كفران النعمة للخالق المستحق للعبادة لذاته قبل جلب مصلحة جزية يدفعونها كل سنة مع بقائهم على الكفر، ولذلك إذا لم يقبلوا الإسلام ودار الأمر بين ضرر القتل العظيم ودفع الجزية الخفيف يرتكب أخفهما فتطلب منهم الجزية ثاني مرة فإذا لم يكن ارتكاب أخفهما يصار إلى أثقلهما وهو القتل، والقتل أيضا بالنظر إلى استصلاح من بقي وكسر شوكة الكفر فيه ارتكاب أخف الضررين أيضا.

هذا وفي الحديث المذكور أن أفضل الأعمال وأحبها إلى الله هي الخصال الثلاث وهي مرتبة على حسب فضلها لكن ربما يعارض هذا ظواهر كثيرة من أحاديث أخر دلت على أمور أخرى، هي أفضل الأعمال منها ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنه قال: "إن إطعام الطعام خير أعمال البر"، ومن ذلك ما روي عنه أيضا من قوله عليه الصلاة والسلام: "أحب العمل إلى الله أدومه".

وجاء في حديث آخر: "إن الجهاد أفضل الأعمال". وثبت في حديث أبي هريرة: "إن أفضل الأعمال: إيمان بالله تعالى".

ولابن دقيق العيد كلام يحصل به التوفيق, قال رحمه الله: "إن الأحاديث الأول محمولة على الأعمال البدنية والحديث الأخير من عمل القلوب لأن الإيمان منه.. وأما وجه التوفيق بين الأحاديث المتقدمة عليه. فللعلماء في ذلك أجوبة كثيرة منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم، أجاب كل سائل بما يوافق غرضه الذي علمه منه، أو بما هو محتاج إليه، فاختلفت الأجوبة باختلاف حالة المخاطبين أو باختلاف الأوقات فإن العمل قد يكون أفضل في وقت غير وقته الأول.

فالجهاد مثلا هو أفضل الأعمال في ابتداء الإسلام والصدقة أفضل من الصلاة في وقت مواساة المضطر مع تضافر النصوص على أن الصلاة أفضل منها.