للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: ولا أعلم سببا لبلوغ نهاية الإتقان والتجويد ووصول غاية التصحيح والتسديد مثل رياضة الألسن والتكرار على اللفظ المتلقى من فم المحسن. [١٠٦]

وينظم ذلك المعنى في المقدمة فيقول:

وليس بينه وبين تركه

إلا رياضة امرئ بفكه [١٠٧]

فمن أراد قراءة شيء من كتاب الله سواء كان ذلك المقروء للحفظ أو لمجرد القراءة وجب عليه تصحيح ذلك القدر المقروء.

ولا يتأتى تصحيحه إلا بعرضه وأخذه من أفواه الشيوخ الضابطين، ومتى استنكف عن ذلك استكبارا واعتدادا بالنفس فقد وقع في الخطأ لا محالة ومن هنا لحقه الإثم الذي ذكره العلماء:

من لم يجود القرآن آثم

فإن لرسم المصحف قواعده وضوابطه، ولكل حرف منه مخرجه وصفاته، ولكل لفظ منه كيفيته وأداءه.

وقد قيل في حال من يأخذ العلم عن الشيوخ ومن لم يأخذه عنهم:

من يأخذ العلم عن شيخه مشافهة

يكن عن الزيغ والتصحيف في حرم

ومن يكن آخذاً للعلم من صُحف

فعلمه عند أهل العلم كالعدم [١٠٨]

وقيل: لا تأخذوا القرآن من مصحفي ولا العلم من صحفي. [١٠٩]

وإن تعجب فعجب قول البعض إن القرآن نزل بلغة العرب والعربي يستطيع قراءته بطبعه فلا يحتاج إلى من يعلمه كيفية النطق به.

وهذا القول لا يصدر إلا ممن خانه فهمه، ولم يكن عن أهل الذكر آخذا علمه فإن أصاب فعلى غير هدى، وإن أخطأ فهو به أجدى {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [١١٠] .

فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أفصح من نطق بالضاد قد تلقى القرآن من جبريل عرضا وسماعا وأمر بالإنصات والإصغاء التام حتى يفرغ جبريل من القراءة ثم يقرأ هو بعد ذلك حسب ما سمع وتلقى كما في قوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [١١١]