للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٣- وعن جندب بن عبد الله البجلي أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول "إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله تعالى قد اتخذني خليلاً كما اتخذ ابراهيم خليلاً، ولو كنت متخذا من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلا٠ ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد٠ ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك" (١)

... قال النووي:"قال العلماء: إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجداً خوفاً من المبالغة في تعظيمه والافتتان به، فربما أدى ذلك إلى الكفر، كما جرى لكثير من الأمم الخالية ....." ٠

... وقال ابن القيم:"إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بناء المساجد على القبور، ولعن من فعل ذلك، ونهى عن تجصيص القبور وتشريفها واتخاذها مساجد، وعن الصلاة إليها وعندها، وعن إيقاد المصابيح عليها، وأمر بتسويتها ونهى عن اتخاذها عيدا، وعن شد الرحال إليها، لئلا يكون ذلك ذريعة إلى اتخاذها أوثانا والإشراك بها، وحرم ذلك على من قصده ومن لم يقصده، بل قصد خلافه سدَّا للذريعة" ٠

... وقد ذكر الصنعاني بعد سياقه لبعض الأحاديث المبينة لصفات القبور الشرعية:"وهذه الأخبار المعبر فيها باللعن والتشبيه بقوله:"لا تجعلوا قبري وثنا يعبد من دون الله"، تفيذ التحريم للعمارة والتزيين والتجصيص، ووضع الصندوق المزخرف، ووضع الستائر على القبر وعلى سمائه، والتمسح بجدار القبر، وأن ذلك قد يفضى مع بعد العهد وفشو الجهل إلى ما كان عليه الأمم السابقة من عبادة الأوثان، فكان في المنع عن ذلك بالكلية قطع لهذه الذريعة المفضية إلى الفساد، وهو المناسب للحكمة المعتبرة في شرع الأحكام من جلب المصالح ودفع المفاسد سواء كانت بأنفسها أو باعتبار ما تفضي إليه" ٠


(١) أخرجه مسلم في صحيحة كتاب المساجد باب ٣ جـ١ / ٣٧٧، ٣٧٨.