للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

.. وللشيخ محمد رشيد رضا كلام جميل في هذه الآية بين فيه أن الناس قد افتتنوا بمن اصطفاهم الله من الأنبياء والمرسلين وغلوا فيهم، فكان هذا السياق الكريم بهذه الصورة ردا عليهم، كما بينت حقيقة أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه بشر لا يرفع إلى مرتبة الألوهية كما تجب طاعته، لأنه رسول رب العالمين، وفى ذلك يقول:"أي قل أيها الرسول للناس فيما تبلغه من أمر دينهم إنني لا أملك لنفسي -أي ولا لغيري بالأولى – جلب نفع مّا في وقت مَّا، ولا دفع ضرر مَّا في وقت مَّا ... كما أنه لا يملك شيئا من علم الغيب الذي هو شأن الخالق دون المخلوق كما يأتي بيانه في تفسير الجملة التالية، والاستثناء على هذا منفصل عما قبله مؤكد لعمومه، أي لكن ما شاء الله تعالى من ذلك كان، فهو كقوله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ} ، وهذا الوجه المختار عندنا، لأن الناس قد فتنوا منذ قوم نوح بمن اصطفاهم الله ووفقهم لطاعته وولايته من الأنبياء ومن دون الأنبياء من الصالحين، {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} ، والجملة استدلال على نفى علم النبي صلى الله عليه وسلم الغيب كأنه يقول: لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا ولا أعلم الغيب، ولو كنت أعلم الغيب- وأقربه ما يقع في مستقبل أيامي في الدنيا – لاستكثرت من الخير كالمال وأعمال البر ...، وفيه وجه آخر: أنه مستأنف غير معطوف على ما قبله، ومعناه: وما مسني الجنون كما زعم الجاهلون، فيكون حاصل معنى الآية: نفى رفعه إلى رتبة الألوهية الذي افتتن بمثله الغلاة، أو نفى وضعه في أدنى مرتبة البشرية الذي زعمته الغواة العتاة وبيان حقيقة أمره ... " ٠