للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن هُنا يَبْرز دَور الوَسيط، ويُصْبح للوَسَاطة سُوقٌ رائِجَةٌ تعْمل على بَسْط النُّفوذِ من قِبَل فِئَةٍ مِن النَّاسِ على الفِئات الأُخرى. وتُرسِّخُ في أَذهان العَامَّة أَهميَّة الوَسَاطة باعتبارِها المحرك الأَقوى، ورُبما الأَسَاسي لكُلِّ مَسألة يُرادُ إِنْجازها.

والَّذِين أَوْكَل إليهم وَليُّ الأَمْر تَسْهيل أُمور النَّاس، وقضاءَ حَوائِجهم في إِطار المصْلَحة العامة، وخَصَّصَ لهم مِن الرِّزْق ما يَكْفي حاجتَهم، وحاجَة مَن يَعُولون، يجب عَليهم الإِخلاص في العَمل.

جَاء في الحديثِ: " مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ " (١) .

والغُلول: الخِيانَة.

وقَد قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال / ٢٧] .

فَمن ضَيَّع شَيئًا ممَّا أَمر الله، أَو رَكِب شيئًا ممَّا نَهاه الله عنْه فلَيْس بِعَدْلٍ لأَنَّه لزِمَه اسْم الخِيانَة.

وفي مثل هَذِه الحالات يبْرز دَور المسئول الأَوّل في حُسْنِ الاخْتِيار للعَامِلين مَعَهُ. ومِن ثَمَّ مُتَابعة أَعمالِهم ومُحاسَبتِهم عَليها.

وعَليه أَن يُطبِّق مَفهوم، ومَدلول القَول المشْهور: الرجُل المناسِب في المكانِ المنَاسِب.

قال صلى الله عليه وسلم لأَعرابي سَألَه عن مَوعد قيام السَّاعة: " إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ ". قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: " إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ " (٢) .


(١) أخرجه أبو داود في الإمارة، باب في أرزاق العمال عن بريدة، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (٢/٥٦٨) .
(٢) أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب من سئل علمًا وهو مشتغل في حديثه، عن أبي هريرة.